من العلبة دي فيها فيل للفيل الأزرق




ظهر (سوبر مان) في أول أفلامه في السبعينات كبطل أمريكي خارق، بينما في العلن هو صحافي بجريدة (الكوكب اليومي)، تعاونه أحيانا زميلته (لويز)، بينما سبقه (عصفور قمر الدين) في الفيلم المصري (سر طاقية الإخفاء) المنتج في الخمسينات، كرجل خفي خارق، وصحافي في جريدة (النور) يعاونه شقيقه الصغير (فصيح) !
والحقيقة أن السينما المصرية لها تاريخ ضخم يحوي أمثلة تفوق أكثر من هذا بكثير، تاريخ بحاجة لعدد هائل من المجلدات لسرده يحمل في طياته الإنتصارات والإنتكاسات، ولكنه كأي تجربة مرّ بثراء وصل لمدى عالمي في ذروته، عندما ترشحت بعض أفلامه بالفعل للمهرجانات العالمية كالأوسكار (باب الحديد-دعاء الكروان-القاهرة 30) ومهرجان كان (الحرام-الأرض) وغيرها من المهرجانات، وإن كنا قد بدأنا سينما سنة 1896 في (الأسكندرية) بعد أسابيع قليلة من بدايتها في الصالون الهندي بالمقهى الكبير في (باريس)، فهذا يعني تقديم نجوم للسينما العالمية، منذ (عمر الشريف) الذي تحدى (لوسي) ابن طنط فكيهة في فيلم (إشاعة حب)، وحتى (عمرو واكد) الذي شارك مؤخرًا في فيلم هولييودي ضخم اسمه (لوسي) لكنه لا علاقة له بطنط فكيهة بكل تأكيد ! وإن كنا قد عرفنا محتوى العلبة كما علمنا (توفيق الدقن)، وهي أنه فيل هندي خفي، فلقد وصلنا الآن لعمل (فيل أزرق) للزميل (أحمد مراد) ابن جيلي، ليذكرنا بعلبة (عصفور) الفانتازية..


وعلى ذكر الصالون الهندي والفيلة، لابد وأن نشيد بأداء أبطال أفلامنا الذين تغلبوا على كبير الهنود (أميتاب باتشان) شخصيًا، ومسحوا به البلاط ! مثل (وحش الشاشة) وملك الترسو أحد أبطال فيلم (باب الحديد) واحد من أهم مائة فيلم في تاريخ السينما، ونجم الزمن الجميل (فريد شوقي)، الذي غزا السينما التركية بـ 15 فيلم إن كنت لا تعلم، وشارك بطولة الفيلم الإيطالي (كريم ابن شيخ Le Retour Du Fils Du Cheik) سنة 1963، وهو يقف على رأس كتيبة من أشداء ومقاتلي الأكشن مثل (رشدي أباظة) و(أحمد رمزي) و(أحمد زكي) وحتى (يوسف منصور) و(أحمد السقا)..
أما إذا لم تعتبر الحركة والقتال فنًا سينيمائيًا يعتد به، فحتى أسطورة الدراما الأمريكية المسرحي (مارلون براندو)، العراب، إذا ما فكر أن يقول لك بلهجته الواثقة الشهيرة "سأقدم لك عرضا لا يمكنك رفضه"، فإن سليل الباشوات وطريدهم (يوسف بيك وهبي) سيقول له جملته الساخنة بفيلم (الأفوكاتو مديحة) "عليك لعنة الفلاح ! خذها من قلب فلاح ابن فلاح"، مما سيصيب (براندو) حتمًا بذهول من فرط إنبهاره بأداؤه العالمي الكلاسي، وستتضاعف دهشته واعجابه بشجاعة ابن (الفيوم)، عندما يعرف أنه أسس مسرح (رمسيس) التاريخي، لعرض روائع الأدب الإنجليزي والفرنسي والإيطالي بدلا من المسرح الساخر السائد وقتها. أنا شخصيًا صعقت ولهًا، عندما شاهدت مسرحيته (راسبوتين) لأول مرة في طفولتي، وقد أسرني أداؤه العبقري المرعب حتى النخاع.. انظروا.. إن أصابعي ترتجف حتى الآن !



أما عن الحسناوات فحدث ولا حرج.. فإن كانت (بريطانيا العظمى) قد صنعت لنا (أودري هيبورن) أيقونة الموضة وجميلة جميلات هولييود في عصرها، فلدينا معشوقتنا أجمعين، ذكرانا وإناثا، سيدة الشاشة العربية (فاتن حمامة)، التي وصفها الزعيم الخالد (ناصر) بأنها ثروة قومية، بل واضطرت الحكومة المصرية لتغيير القانون نفسه بعد فيلمها المؤثر (أريد حلًا). ولـ (فاتن) سجل طويل من ميداليات الشرف وشهادات الدكتوراه الفخرية والجوائز المحلية والدولية، ولو واصلت قراءة انجازاتها العظيمة بنفس لامبالاتك وتدخينك أمامها؛ سأدعها تخبرك شخصيا ما قالته بحزم في فيلم (امبراطورية ميم) : "السجاير هتخسر صحتك، متخليهاش كمان تخسر أخلاقك" !
والآن علينا أن نسكت المذياع إن كان يعرض أغنية للنجم (ألفيس بريسلي) أو العالمي الآخر (مايكل جاكسون)، فالسينما المصرية، بل الفن المصري بعامة شارك في حمل نجومية (موسيقار الأجيال) لآفاق بعيدة، وفي تسجيل شرائط واسطوانات نادرة وقيمة لإبن حارة (برجوان) وواضع لحن السلام الوطني المصري بتوزيعه الجديد، إنه (محمد عبد الوهاب).. فنان الشعب الذي كرم في (موسكو) و(باريس) كما لم يكرم (ألفيس) نفسه، وصاحب أروع ألحان يمكن لأذن بشرية أن تسمعها وتطرب بها، مثل أغاني (انت عمري) و(هذه ليلتي) و(دارت الأيام) و(أغدًا ألقاك) للست و(أهواك) و(نبتدي منين الحكاية) و(توبة) للعندليب، و(القريب منك بعيد) و(عاليادي) و(لا تكذبي) لنجاة، و(لولا الملامة) و(في يوم وليلة) لوردة، و(سكن الليل) لفيروز، و(ست الحبايب) لفايزة، وعشرات الإبداعات الأخرى.. مني (وردة بيضاء) - كإسم أول أفلامه لروحك السامية يا سيدي..
عرفت "العلبة دي فيها ايه؟" إوعى تغلط لأحسن الشرير الظريف (توفيق الدقن) يزعلك.. وكعمالقة آخرين بث (توفيق) البسمة والبهجة والسعادة لقلوبنا على مدار الأجيال، هو ورفاق الضحكة (اسماعيل ياسين) و(على الكسار) و(زينات صدقي) و(استيفان روستي) و(عبد الفتاح القصري) و(نجيب الريحاني) و(عبد السلام النابلسي) و(ماري منيب) و(عبد المنعم مدبولي) و(عادل إمام)، وغيرهم وغيرهم من كبار أساتذة (صناعة الفرحة) على مدار تاريخ شاشة السينما المصرية، رغم ما شاب بعض الفترات من ركود وهبوط في المستوى الفني..
عموما خلونا نفتح صفحة جديدة وننسى فترة أفلام المقاولات بتاعة الثمانينات (بدأت مع مولدي سنة 1983 للأسف)، حاليا مثلا (الفيل الأزرق) و(الجزيرة 2) أحدث فيلمين هما مثال على التغيير، وفي التغيير تجارب تستحق تشجيعكم، لأنها تجارب جادة بعيدة عن المقاولات، جايز الثورة تعيد مجدنا السينمائي العظيم..
وفي الختام (توفيق الدقن) بيقول لموجة أفلام البلطجة من وحي فيلمه (الشيطان يعظ):
" هو جرى ايه للدنيا؟ الناس كلها بقت فتوات؟ أمال مين اللي ح ينضرب؟ ".


(عصام منصور)

تعليقات

المشاركات الشائعة