الفصل الثالث (العبقرى) : .. صرخة رجل.


رجل فوق الألم



صرخة رجل ..            Mans Shout

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



لن يعمل إلا بعد نصف ساعة .. كامل ..



*     *     *



العاشرة من ليلة الرابع من سبتمبر ..



فتحت ( ماجدة ) عينيها بعنف ، و هى تنهض جالسة بحدة على طرف فراشها ، و ..



« لما فى رأيك فقدت أنت بالذات وعيك ؟! »



التفتت فرأته جالساً عن يمينها فى سخرية ..



و تشفى ..



الدكتور ( فخرى ) ، العالم العبقرى المغرور ..



قالت فى عصبية و توتر شديدين :

- أين أنا .. و كيف .. ؟!



قاطعها ببرود صارم :

- هل تتصورين أنك ستمنعيننى ؟!



تسلل الخوف الى قلبها كبرد قارس ، قبل أن ترتجف عندما نهض مرة واحدة ، ليبدو عملاقاً مارداً ، و هو يصيح بها بصوت بدا كصوتها هى و ليس صوته الخشن :

- كلا .. لابد أن أخبر رفاقى بما ستفعله ، لابد أن أستيقظ .. أننى فى غيبوبتى .



أصابها الإرتباك و الذعر ، لأن هذا ما همت بلفظه بالفعل ، و ..!



« كلاااااااااااااا » !



صاحت بها ( ماجدة ) و هى تفيق من إغمائها بقوة ، لتجد نفسها جالسة إلى جواره ..



الدكتور ( فخرى ) ..



فحدقت فيه فى ارتياع ، و هى تتراجع زاحفة فوق الفراش ، و لوحت بأصابعها فى وجهه ، قائلة بصوت مختنق :

- لا .. لا أنت لست هو .



« إهدأى يا ( ماجدة ) .. أنا ( رءوف ) » ..



اختفت ملامح ( فخرى ) دفعة واحدة من أثر ذلك الكابوس ، مع تمميز أذنيها لصوت قائدها ، فأمسكت كتفيه قائلة فى إنفعال :

- كم الساعة الآن ؟!



أجابها على الفور قلقاً ، رغم أنها آلمته عندما أمسكت بكتفيه المصابين :

- إنها نحو العاشرة من نفس الليلة .. هل سيضرب ضربته قريباً ؟!



إمتقع وجهها ، و هى تقول له بعينين متسعتين ، و إنفعال بلا حدود :

- بل الآن .. لقد أثرنا حفيظته فعجل بمخططه بدلاً من منتصف الليل .



إزدرد لعابه فى توتر ، و هو يسألها :

- أين و كيف ؟



قالت فى جزع كبير :

- لست أعلم كيف ، لم يسعفنى الوقت .. لكنه سيدمرنا .. إنه قسم ( العناصر الخاصة ) يا ( رءوف ) .. جهاز أمن الدولة .



*     *     *



« أغلقوا كل مداخل و مخارج المبنى الرئيسى ، الخصم ينوى نسف إدارة أمن الدولة تماماً » كان هذا ( رءوف ) ..



« انشروا قوات الحراسة ، و استدعوا عناصر مكافحة الإرهاب ، و خبراء المفرقعات .. تم إعلان حالة الطوارئ ذات اللون الأحمر » .. مدير القسم ..



« أريد تأمين سماء المكان ، و مسح المنطقة على مساحة نصف قطرها كيلومتر » نائب المدير ..



« استلمت وحدة الرصد الإشعاعى لتحديد مكان القنبلة » ( سمير ) عضو فريق ( رءوف ) ..



« أتعقب و أفحص آخر من دخلوا المبنى فى الثلاث ساعات الماضية ، سواء بكاميرات المراقبة و التسجيل أو بالرصد الحرارى » .. ( هالة ) ..



« علم و ينفذ .. إننى أتفقد السطح الآن » كان هذا ( نادر ) ضمن سلسلة إتصالات التأمين و الأوامر ، و الذى تأكد من ثبات أداة الإتصال المتطورة على أذنه ، ثم راح يتفقد جوانب السطح المختلفة ، و هو يتسائل كالجميع : ترى من أين سينقض ( فخرى وحيد ) العالم المشوش ؟!



أين ؟!



الرجل ينفذ مبدأ ( نابليون ) عن جدارة « الهجوم خير وسيلة للدفاع » ، و كما لو كانت رقعة شطرنج كبيرة عليهم هم أن يسدوا كل الثغرات ، و يتوقعوا كل إحتمالات الهجوم بالقنبلة العسكرية ..



بلا استثناء ..



*     *     *



العاشرة و الربع ..



« مهما تألقوا .. لن يتخطوا ألمعيتى قط » ..



قالها ( فـخـرى ) لنفسه فى سخرية ، و هو يخفى جثة عامل الصيانة ، الذى عاونه على التسلل الى الإدارة ، مقابل مبلغ خيالى ، استعاده منه فور قتله ، مـتـعـجـبـاً من الطمع و الجشع الذى أعمى العامل ، لدرجة أن آمن جانبه ، ثم راح يتقمص دوره طوال الوقت ، لـمدة ساعة قبل أن يبتسم فى سخرية مع إشتعال حالة الطوارئ القصوى ، بعد أن أنهى بالفعل معظم عمله ، فتظاهر بالإمتثال لرجال الأمن ، و ذلك بالبقاء فى قسم ( البوفيه ) ..



حتى حانت لحظة تحرك فيها ، حاملاً تلك الحقيبة الخاصة فوق ظهره ..



« انظر أيها القائد » ( هالة ) و هى تشير الى شاشة الفحص الحرارى ، فغمغم ( رءوف ) و هو يدقق فى شاشة أخرى :

- طبقاً لكاميرا المراقبة العادية ، فلا يبدو هذا الشخص أنه ( فخرى ) متنكراً فى هيئة عامل صيانة ، سواء من ناحية الملامح أو الحجم .



قالت ( هالة ) و هى تلقى نظرة على ( ماجدة ) و ( نادر ) اللذان حضرا على التو ، و الأولى تربط إصابة رأسها :

- لست أقصد العامل .. بل عربة أدواته .. فطبقاً لكاميرا مراقبة مدخل العمال ، فيبدو أن العامل غافل حارس الأمن ، و أدخل عربة مماثلة لعربته التى تم فحصها ، و فى الرصد الحرارى .. ترون القدر الحرارى المنبعث من تلك الكومة داخلها ، القدر الذى يدل على كائن حى بحجم الإنسان .



قال ( نادر ) فى غضب :

- العامل الخائن .



بينما هتف ( رءوف ) عبر أداة الإتصال ، بقائد الأمن الداخلى :

- أسرع يا رجل .. الهدف فى قسم البوفيه .



انقض قائد الأمن و رجاله على القسم ، متخذين حذرهم و احتياطهم ، مرتدين أقوى دروع ممكنة ، و سأل القائد أول من قابله :

- أين عامل الصيانة الذى يبدو أنه فى خمسينيات عمره ؟!



أشار العامل الشاب الى الخارج ، قائلاً فى حسم :

- أعتقد أننى رأيته يتجه نحو الممر الشرقى .



« يبدو أنه فى الممر الشرقى يا سيد ( رءوف ) » كان تقرير قائد الأمن الفورى ، و ( رءوف ) يصيح فى قلق :

- يا للشيطان ! .. إنه يحوى قسم التحكم الكهربى و المصاعد .



ثم انطلق هاتفاً فى سرعة :

- ( نادر ) اتبعنى .. و اتصلى يا ( ماجدة ) بعناصر مكافحة الإرهاب بالخارج ، و حاولى تتبعه أنت يا ( هالة ) .



تبعه ( نادر ) على الفور ، حتى وصلا الى الممر الشرقى ، و شاهدا قائد الأمن يهرع نحوهما فى هلع ، هاتفاً :

- لقد أشعل قنبلة زمنية صغيرة فى حجرة الطاقة !



انطلق ( رءوف ) مصدوماً نحو المصاعد ، و شاهد إحدى الشاشات تشير الى الطابق السادس ..



حيث مكتب مدير الجهاز كله ..



فالتقط جهاز الإتصال على عجل ، بينما قائد الأمن يفتح باب أحد المصاعد ، و هتف بأمن مدير الجهاز :

- حاذروا الهدف يتجه نحو.. !



بتر عبارته فى عنف ، و مزيج من الدهشة و الغضب يعتريه ، عندما دفعه قائد الأمن فجأة هو و ( نادر ) نحو المصعد الذى ينفتح ، صارخاً :

- ماذا تفعل ؟ تبقت أربعة ثوان على الإنفجار .



ثلاث ثوان ..



سقط ثلاثتهم داخل المصعد ..



ثانيتان ..



شاهد ( نادر ) رجال الأمن يعدون كالمجانين الى نهاية الممر ..



ثانية واحدة ..



ضغط قائد الأمن زر إغلاق المصعد ، و ..!



و انفجرت قنبلة ( فخرى ) الصغيرة ..



و شاهد ثلاثتهم فى رهبة ، كتلة ضخمة من نيران الجحيم ، تنطلق من حجرة الطاقة المنسوفة ، و تنقسم الى كتلتين نحو جانبى الممر ، إحداهما انقضت على المصعد الذى ينغلق ببطء مستفز كوحش أسطورى ..



و لكن الباب إنغلق فى آخر لحظة لحسن الحظ ، قبل أن تشويهم النار شياً أحياء ، ثم هوى ظلام عميق على ثلاثتهم ، مع إنقطاع طاقة المولد الرئيسى ..



« اللعنة لقد علقنا ! » ..



كان هذا ( رءوف ) فى استياء ضخم ، قبل أن يشعل قائد الأمن مصباحه اليدوى ، و هو يعطى جهاز إتصالاته لـ ( رءوف ) قائلاً :

- يمكنك متابعة إتصالك الآن .



اختطف ( رءوف ) الجهاز فى عصبية بعدما فقد جهازه أثناء دفع قائد الأمن له ، و قال لأمن المدير بلهفة متوترة :

- الهدف عندكم الآن احموا المدير بأقصى سرعة .



أجابه رجل الأمن فى صرامة عسكرية :

- نعمل على ضوء المصابيح اليدوية ، لم يقترب أحد من باب المدير حتى الآن .



قال له ( رءوف ) فى حزم عصبى :

- حافظوا على أقصى درجات تحفزكم ، و استخدموا دروع مضادة للقنابل .



ثم أنهى الإتصال ، قائلاً فى غضب :

- اللعنة على مصمم مولدات الطاقة الإحتياطية ، لن تبدأ عملها إلا بعد ربع ساعة كامل ، يمكن أن يسرق فيها ( أبو الهول ) ذاته !



قال له قائد الأمن فى توتر :

- لم يحدث شئ كهذا منذ بداية القرن الحادى و العشرين ، لذا فلم يغير نظام المولدات منذ ذلك الحين .



اتصل ( رءوف ) بـ ( سمير ) قائلاً :

- هل من جديد يا ( سمير ) ؟!



بوغت به يقول بإنفعال متوتر للغاية :

- أين أنت يا رجل جهازك لا يرد ، لقد رصددت أجهزتى قنبلة فى الطابق السادس .. لقد ظهرت بغتة كالشبح .



سأله ( رءوف ) فى بهوت :

- ما نوعها ؟



انعقد حاجبا ( نادر ) فى شدة ، بينما شهق قائد الأمن فى ذعر ، و ( سمير ) يقول بإنفعال غير مسبوق :

- قنبلة نووية محدودة .



صرخ ( رءوف ) غاضباً :

- ياللجحيم ..! سيفجرها .. ذلك الحقير سيفجرها .



تسارع نبض ( نادر ) و الإنفعال المتوتر الى أقصى حد ، يزحف ليغمر كيانه ، بينما التصق قائد الأمن المسكين بجدار المصعد المحتجز ، قائلاً فى إرتياع شمل كيانه :

- كلا .. لا تخبروننى أن ذلك المتسلل يحمل قنبلة نووية .. إنها ليست النهاية .. ليست كذلك .



غمر العرق البارد جسد ( نادر ) ، و هو يلهث على نحو رهيب ، شاعراً بتنميل غريب يسرى فى عظامه ، و عدة عبارات تطرق عقله ، كمطارق من جليد ..



« لكنهم للأسف لم يصلوا لذكاء سيد العباقرة الكافى بعد » ..



« لقد علقنا » .. « سنحتجزك » ..



« لن تبدأ عملها إلا بعد ربع ساعة كامل » ..



« سيفجرها » .. « سيفجرها » .. « علقنا » .. « سيفجرها » ..



و أطلق ( نادر ) صرخته ..



صرخة رجل بكل قوته ..



*     *     *

تعليقات

المشاركات الشائعة