مسجّل


وقال الرجل

:


- ( أنا لما وقع منى فى البير، أحضرت الحبل وربطته فى رقبته وربطت الحبل فى العجلة. ولفيت العجلة قبل أن يعود الرجل لأنه راح يشترى. والحبل خلع دماغه من جسده ).
صرخ عبد الله :
- يا نهار أزرق.
- آه. وعندما حضر الرجل رأى وقال لى لا تخف. وأحضرنا الخيط والإبرة الكبيرة وركبنا رأسه فى جسمه. لكن رأينا أن رأسه ركب خطأ. قفاه كان محل وجهه ووجهه أصبح محل قفاه.

ابراهيم أصلان – انهم يرثون الأرض – بحيرة المساء



مُسَجِّل





تجاوزنا الطوار فى طريقنا الى المكتب . قعدنا وهو يعبث بلحيته ويسألنى:

- هل حقا لا تعرف ؟

- حقا لا أعرف .

- لكن كيف ؟

- كيف ماذا ؟

وضع حقيبته المعلقة على كتفه من حزام داكن ناعم :

- لقد كنت رفيقا لهؤلاء المعالجين بالكتاب .

- هل كنت رفيقا لهم ؟

- كنت رفيقا لهم .

- وكيف كنت رفيقا لهم ؟

- لم أكن أعالج شخصيا . أتفرج يا أستاذ . أساعد يا أستاذ . لكن لم أكن أعالج شخصيا .

أردت استنكار الأمر ، لكنى انتظرت لربما اعتبر هذا قلة ذوق منى ، والتقط كوب الماء الموضوع ، تحسسه فأدرك أنه فاتر لا بارد ، فنظر الى حرارة الجو بضيق ، لكنه ارتشف الكوب ، وقال لى :

- كنا نسجل بعض الجلسات ، وكان المسجل يحتفظ بجلسات عدة . بعد سنوات أصبح الأمر ذكرى ، لكنى احتفظت بالمسجل . الجو حار والماء كان غير بارد . لكن أحقا لا تعرف ؟

ثم قضى على بقية الكوب ، ولفظ حرفى الهاء والحاء من جوفه . أكمل :

- التقطت المسجل ذات ليلة – اتسعت عيناه لإضفاء شعور معين – ثم شغلته ، جاءتنى الأصوات والصياح والصراخ ، نصف الأصوات كانت لعفاريت وجن نعرفهم بالإسم ، أغلقته بسرعة واستعذت وأنا أقرر قذف الشرائط فى المهملات . الجو شديد الرطوبة .

- انه كذلك .

أخرج منديلا قماشيا ومسح وجهه ، ثم عدل لحيته ، وبعدها مال بعنقه بشدة الى اليسار ، ثم مرة واحدة أعاده الى اليمين مصدرا طقطقة واضحة ، وقال موسعا من عينه :

- كلما كنت أشغل شريطا مختلفا كنت أسمع أصوات الجن الغليظة المسجلة على الشرائط القديمة ، والتى كانت تصدر من حلوق الممسوسين ، غيرت البطاريات والسلك ، لكن ظلت الأصوات تتكرر وأحيانا كانت تتبدل وأسمع أصواتهم وكأنها من جلسات أخرى لم أحضرها على الإطلاق . سيقتلنى الحر . ذهبت به الى الكهربائى لكن الرجل أخبرنى أنه سليم ، حاولت بيعه لكن سعره لم يكن يتجاوز جنيها ونصف ، لكن المشكلة الأكبر أنه كان يشتغل فجأة وحده فى نصف الليل ، ولا يصدر سوى أصوات أولاد الكلب الكفرة ، فنزعت القابس والبطاريات وألقيت بالسلك فى المهملات ، ولك أن تتخيل ما الذى حدث ؟

- هل عمل المسجل بدون القابس والبطاريات ؟

تهلل وأمال عنقه . نقلت قدمى . قال بسعادة :

- لقد عمل المسجل بدون القابس والبطاريات بالفعل . كيف علمت أن المسجل عمل بدون القابس والبطاريات ؟

- لقد استنتجت هذا .

- كيف استنتجت يا أستاذ ؟

- لا أعرف .

عدل لحيته وأعاد منديله لجيب سترته ، ثم واصل القصة :

- لقد عمل المسجل بدون القابس والبطاريات ، وراح يصدر غمغمات وصراخ الأبالسة . ثم إن أم محمود جاءت ، ومسحت البيت بالكلور ، وأشعلت بخور يمنى لكنى كنت أشك أنه هندى ، وشغلت القرآن . فى نفس هذا اليوم انتظرت أن يشتغل المسجل لكنه لم يفعل . توجهت اليه فلم أجده . لقد اختفى .

قاطعته بعطسة قوية ، فسألنى بسرعة :

- هل حضرتك شربت لبن ؟

- نعم . لماذا ؟

- لا تشرب لبن فهو يكشف الإنفلونزا .

- لكنه مفيد .

- ليس مع الإنفلونزا . انه يكشفها .

نهضت فقام معى وهو يعلق حزامه الداكن الناعم . سرت فسار معى الى خارج المكتب . حاولت صنع ابتسامة وأنا أقول له :

- هيه . مسجل الأعاجيب .

- لكن أحقا لم تكن تعرف ؟

- حقا لم أكن أعرف . لكن ما اسمك ؟

- أنا محمد مصطفى يا أستاذ .

تخطينا الطوار . لاحظت أنه لا علامة صلاة فى وجهه .

أمال عنقه .


***
عصام منصور
أكتوبر 2012

تعليقات

المشاركات الشائعة