الفصل السابع والأخير: الخلود


7- الخلــود ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ













القبة ..                         Dome

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



و هناك طبقات من الرصاص تحيط بالحجرة و تعزلها عن الإتصالات ..



*



لتعيدها الى موضعها فتمنع الضوء بالتالى من الوصول ..



*



التاسعة و الربع صباح السابع من ( سبتمير ) .. مختبر العالم السابق ( فخرى وحيد ) ..



« أنتم تعرفون ما سيحدث ، اذا اقتربتم خطوة أخرى »



صرخ بها شبيه ( فخرى ) ، و هو يحتمى بسور سطح مبناه القصير ، الذى كان فى السابق منزل و معمل يليقان بعالم مخضرم ، ثم راح يعد مدفعين آليين متطورين للعمل ، و هو محاصر بقوة أمن دولة ، مطعمة بالعناصر الخاصة و مكافحة الإرهاب ، هتف قائدها عبر مضخم صوتى :

- لهذا لا تريد أن نقضى جميعنا نحبنا ، فلتسلمهم لنا و يمكننا فيما بعد أن ..!



قاطعه ( فخرى ) بصرامة ساخرة حملت ما حملت من الشراسة الطاغية :

- هل تساوموننى على حياتكم ؟! ثم ماذا سيحدث بعدها .. ؟! ستردوننى قتيلا بلا أدنى روية اذا ما أبديت ذرة مقاومة ، أما الآن فلن يمكنكم هذا أبدا .



قالها و هو يطلق سيلا من رصاصات مدفعيه الآليين ، تجاه سيارات القوة المتنوعة العناصر ، فانخفض الجنود و الضباط فى سرعة ، فبل أن يسرع هو بالإحتماء ثانية ، فقال أحد المعاونين لقائد القوة :

- يمكننا إطلاق قنبلة مسمارية واحدة نحو السطح ، و ستقضى على أى أحياء فوقه فى لحظة واحدة .



قا القائد محاولا السيطرة على توتره :

- لقد هددنا من قطع التيار الكهربى أو إصابة كاميراته المنتشرة حول المبنى ، و إلا استخدم ورقته الأخيرة التى تمنعنا عن عنقه .. و آخر ما نريده الآن أن نكتشف بعد قتله أنه يستخدم إجراء دفاعى متعلق بحياته ، يتسبب فى تطبيق مبدأ ( شمشون ) .



كان القائد منخفضا خلف ( جيب ) مصفحة ، عندما جاءته إشارة تفيد بإنطلاق قبة خاصة من الطاقة ، تحيط بمساحة هائلة من المنطقة ، قادرة على امتصاص أقوى الإنفجارات النووية ، خاصة و أن عمليات إخلاء التجمعات السكنية القريبة لم تصل لمراحلها النهائية بعد ..



و فوق السطح صرخ ( فخرى ) بأعلى صوت لديه :

- أريد مقاتلة أسرع من الصوت مليئة بالوقود ، من النوع العمودى الذى لا يحتاج لممرات إقلاع .



صاح فيه قائد القوة بغضب :

- هل جننت يا هذا ؟ تستولى على ما تطمح اليه جيوش دول بأكملها ، هل تتصور أننا يمكننا مجرد التفكير ، فى اعطائك شيئا كهذا ؟



هتف به ( فخرى ) بصرامته الشرسة :

- لن تفكر .. أنا آمرك أن تنفذ .. و فورا .



صرخ به القائد فى حدة عصبية :

- ليس من سلطاتى اعطاء أمر بهذا ، إن هذا يحتاج – على الأقل – الى موافقة برلمانية !



كان يطمح أن يصعب الأمر على الرجل ، و لو قليلا ريثما يتم التوصل الى الأسرى ، و لكن شبيه ( فخرى ) صاح به :

- حسناً .. و حتى تأتى هذه الموافقة ، فلنمنح كتب التاريخ ، أجمل حفل شواء بشرى .. ضارى .



قالها ثم ضغط زر إشعال ذلك الشئ فى قاع المبنى ..



الشئ الرهيب ..



*     *     *



« هيه يا رفاق ، انه أنا » ..



قالها ( سمير ) و هو يهبط على سلم من الخشب و الأحبال ، الى حيث رفاقه قبل أن يتابع فى مرح :

- قبل أن تسألوننى .. أحب أن أخبركم أن خبرتى فى نظم الإنذار و المراقبة ، هى التى أعانتنى على نقل مشهد ثابت لكاميرا مدخل هذا الجب ، و الذى كشفته بواسطة جهازى للمسح الـ .. !



بتر عبارته فى عنف ، و هو يصل الى نهاية سلمه و أرض الفخ ، و ارتد فى ذهول مع سقوط بصره على المشهد الخافت الإضاءة ، و الذى لم يتبينه من أعلى حتى وصل ، ثم تمتم مأخوذا :

- ما هذا ؟ ماذا يحدث ؟!



غمغم ( نادر ) و هو ينخفض من أسفل ذراع الآلى المخلبية المتجمدة ، متجها نحو ( رءوف ) المحاصر :

- اطمئن .. انهما بخير .



و أمام عينيه الغير مستوعبتين ، تابع ( سمير ) انتشال ( نادر ) لـ ( رءوف ) المتيبس على نحو غير طبيعى ، حتى فى نظرته و انفعاله ، و اخراجه من أمام براثن الوحش المعدنى ، و ردد فى بهوت :

- ما .. ماذا حدث لهما هنا ؟!



مر ( نادر ) من أمام ( ماجدة ) المتخشبة بآخر نظرة انفعال و ذعر ، قائلا فى صدق :

- أقسم أننى نفسى لست بعالم لما يحدث ، فقط تحقق ما تمنيته بقوة ، و توقف الزمن بالجميع فيما عداى .



تدلى فك ( سمير ) و هو يقول فى استنكار :

- توقف الزمن ؟!



ثم نظر الى ساعته العاملة بعدم فهم ، و ( نادر ) يحمل ( رءوف ) على كتفه ، و يصعد به السلم قائلاً فى توتر حاسم :

- مهما كان ما حدث ، فهو يعيننا على الإفلات من هذا الموت الآلى ، و لست أضمن استمرار ذلك الوضع .



انتفض ( سمير ) من ذهوله الكامل ، ليحل بدلا منه توتر شديد ، ناقلا بصره سريعا بين الآلة الشرسة و بقايا ( هالة ) ، قبل أن يهرول ليحمل ( ماجدة ) ، و يلحق بصديقه الذى يصعد لأعلى ..



لأعلى ..



و عندما وصل بحمليهما الى المخرج ، استعادت الآلة المخيفة الزمن بغتة ، لتطبق على الفراغ بدلا من ( رءوف ) ، لم يكن هذا يعنى لها شيئا محدودا ، غير أنها أرسلت إشارة صغيرة تفيد بإختفاء الأحياء ..



الى قائدها ..



و فى غضب ألقى ( فخرى ) نظرة على شاشة حاسبه المقسمة ، و التى ينقل جزء منها مشهد خالى و هادئ لمدخل الحجرة السفلية ، فوجه كاميرا أخرى لتنقل اليه ما يحدث مع تصاعد شكه الفورى فى الكاميرا الأساسية ، ليرى بأعين تشتعل غضبا مشهد أسراه يخرجون ، فبرز فى سرعة من فوق سور المبنى ، فى نفس اللحظة التى لمحه فيها أحد المعاونين المرافقين لقائد القوة ، فهتف فى حدة و سرعة ، بعدما رآه يصوب مدفعيه نحو ( نادر ) و الفريق :

- الوغد يستهدفهم .. عطلوه .



استجاب القناصة لأمره بسرعة مدهشة ، حتى أن ( فخرى ) لم يكد يبرز حتى أصابت دفعة من الرصاص مدفعيه ، بعد إطلاقه ثلاث رصاصات فحسب ..



و عاد ( فخرى ) بسرعة الى مكمنه ، و نظر فى سخط الى شاشة حاسبه المتصلة بكل كاميرات المبنى ، ليرى الدماء تنزف من كتف ( ماجدة ) و فخذ ( رءوف ) و جانب ( نادر ) ، و كلهم يتجاوزوا بسرعة باب الحديقة الخلفى الذى فسدت أجهزة إنذاره كما بدا .. فصرخ بغضبة شديدة :

- ستندمون .. أيها الأوغاد الملاعين .



فى نفس هذه اللحظات هتف ( نادر ) بـ ( سمير ) الوحيد الذى لم يصاب :

- استدع احدى سيارات الإدارة الطبية .



قال ( سمير ) و هو يقلب كفيه فى توتر :

- هذا مستحيل ، لقد أغلقت المنطقة بالقبة ( ض أ – 102 ) .



استعادت ذاكرة ( نادر ) فى سرعة المعلومات العسكرية التى زود بها ، فانعقد حاجباه فى قلق عميق ، و قبض على كتفى ( سمير ) فى قوة قائلا بلهجة صارمة :

- ماذا ؟ .. رباه لماذا تلك القبة بالذات يا رجل ؟ أجب بسرعة .



شعر ( سمير ) بأصابعه تكاد تعتصر كتفيه ، فأجابه و هو يسترد لعابه :

- لقد اكتشفت وزارة  الدفاع أمس فقط ، أن المادة المشعة فى القنبلة النووية المحدودة ، التى استعدناها من ذلك الوغد ، لا تكاد تكفى لتدمير شاحنة عملاقة ، أى أنها مزيفة .



قال ( نادر ) فى توتر عنيف :

- يا الهى ! لقد توقعت هذا .. مثله لن يأتى بقدميه حتى عقر دارنا ، بسلاحنا الحقيقى .



واصل ( سمير ) فى قلق :

- لهذا عملنا على وضع الخطط ، و انهمكنا فى تحديد مكان القنبلة الحقيقية ، و انهمكت أنا فى افساد نظم محددة ، فى دائرة انذاره و دفاعه حول مبناه ، و كل هذا ما أخرنى حتى الآن .



قال ( رءوف ) فى تهالك و توتر :

- هل يخبرنى أحدكم ماذا يحدث لى ؟!!



قالت ( ماجدة ) فى ألم مرهق :

- لديك حق ؟.. لقد كنت أحدق فيك و أنت محاصر أمام ذلك الشىء ، قبل أن أجدنا بغتة نتلقى الرصاصات خارج المكان كله ، و حياتنا مهددة بانفجار نووى !



تجاهلهما ( نادر ) و هو يقول لـ ( سمير ) فى عصبية قلقة :

- يمكننا على الأقل إخراجهما ، أليس كذلك ؟!



« سيستلزم الأمر إذنا مباشراً من القائد ، فهذا كفيل بإيقاف عمل القبة أثناء الخروج » ..



كانت هذه عبارة ( سمير ) لـ ( نادر ) ، و التى أعقبها معارضة من ( رءوف ) ، قبل أن يقتنع بنمطق ( نادر ) ، الذى شدد على على تأكد ( رءوف ) من سلامة ( ماجدة ) ، و ذلك حتى خارج القبة ، لذا فنجده يقنع قائد القوة بالأمر ..



و عبر اتصال يخبرهم ( نادر ) بالفترة المحددة لخروجهم ..



و تفهم المسئولون الأمر ..



و فتح العالم المهندس القبة ..



و خرج رفاق ( نادر ) الثلاثة ..



ثم أغلقت القبة مجددا ..



و هنا أغمض ( نادر ) عيناه بعدما اطمئن عليهم ، ثم فتحهما و قد امتلأتا ويلا و توعدا ، و كلمات ( فخرى ) إياها تتردد فى فراغ عقله بقوة و عنف و شراسة ..



« اللعنة ! لقد تذكرتك الآن » ..



« تذكرتك » ..



فغمغم لنفسه فى مقت :

- دعنا نرى ما مدى سوء ذكرياتنا المشتركة أيها الوغد .



و برز ( فخرى ) من خلف سور سطح المبنى المكون من طابقين ، و صاح بصوته الخشن القبيح :

- آهاه .. هذا يروق لى بحق ، مجموعة من البلهاء مع عالم سىء ينتظرهم مصير أسوأ .. أليست هذه خاتمة أكثر مأساوية ؟!



ثم قفز ..



فصاح قائد القوة فى ذهول عصبى :

- هل قرر الإنتحار ؟!



قفز شبيه ( فخرى وحيد ) من فوق مبناه ، و هبط على الأرض بعجلة الجاذبية فى قوة ، و قدميه تخترق جزء من التربة ، و جزعه ينحنى فى شدة حتى كادت أنفه الكبيرة أن تمس الأرض العشبية ، و هو يمتص صدمة السقوط بتوازن و قوة خارقين ، قبل أن يشد قامته فى سخرية ، و يعتدل قائلا :

- بل قررت التسلية أيها المأفون ، التسلية الأخيرة ، قبل أن نطحن جميعنا فى الجحيم .. فى أبشع جحيم يمكن أن تذهبنا اليه قنبلة نووية .



تراجع قائد القوة هاتفا فى امتقاع :

- رباه .. لقد أشعل القنبلة .



كان هناك احتمال أن يقدم ( فخرى ) على هذه الخطوة بالفعل ، و لكن فكرة أن يحترقوا جميعا وسط فرن نووى ، ستتضاعف قوته مع القبة المحكمة ، كانت تثير فى فرائصه رعدة و رهبة ، تراجع بهما ليشعر بذلك الشخص الذى يتجاوزه ، متجهاً لـ ( فخرى ) رأساً قائلاً فى غضب صارم :

- لقد حدد مصيره بنفسه .



التفت اليه القائد فى شحوب متوتر ، متسائلا :

- و من أنت ؟!



أجابه ( نادر ) فى حزم صارم ، و هو يقفز من فوق الأسلاك الشائكة :

- سأخبرك بعد قليل .



و بينما يتجه الى شبيه ( فخرى ) الذى بدا قويا ، تحفزت قوات الأمن التى تحاصر العالم الشيطانى ، و مع مواجهة ( نادر ) له على قيد ثلاثة أمتار فقط ، قال معاون القائد الأول لكل القناصة عبر جهاز الإتصال الملتف لرأسه :

- ماذا تنتظرون ..؟! الآن .



انتزع اسرع احد القناصة نفسه من بهوته الناجم عن قفزة العالم العجيبة ، و أطلق رصاصة صائبة نحو منتصف الجبهة تماما ، و ..



و اتسعت أعين الجميع حتى منتهاها ..



فباستثناء ارتدادة بسيطة لرأس العالم ، و تمزق الجلد فى موضع انعكاس الرصاصة ، و كشفه لما يشبه المعدن الداكن ، لم يصب العالم بأنى أذى ، و هو يبتسم فى وحشية ساخرة ، قائلاً بصوته الخشن الغليظ :

- يمكنكم أن تحاولوا ايها المساكين ، إن ما فعلته بجسدى لهو أعظم عملية عبقرية فى العالم ، و فى التاريخ .



قال ( نادر ) فى تحدى :

- انه ليس شيئا خياليا على الأقل يا مأفون العلماء ، لقد بطنت هيكلك العظمى بمعدن شديد القوة و المرونة معا ، و زودت جمجمتك برقائق كمبيوترية تحمل كل ذكائك البغيض ، و مواصفات شخصيتك الجهنمية .. أليس كذلك ؟!



ارتفعت حواجب الجميع فوق أعينهم المتسعة ، و فاقهم ( فخرى وحيد ) ذاته دهشة ، لكنه أعاد ابتسامته الساخرة المسجلة فى برنامجه ، قائلا فى استخفاف :

- يا للمصادفة .. لقد استنتجت الحقيقة بصورتها المبسطة ، عبر الإستنتاج و ربما الحظ .



عقد ( نادر ) ساعديه فى سخرية مماثلة ، و هو يقول فى اعتداد و تحدى :

- بل عبر الجزء الظاهر من جمجمتك الجديدة ، و كذلك عبر عينة دمائك الوحيدة التى نسيتها فى معمل المشرحة ، و التى أخبرنى ( سمير ) منذ ثوان فقط ، أن نتيجة فحصها دلتنا على أثر الفورمالدهيد الذى حفظ جثة صانعك ، الغريب حقا هو استجابة المأجورين الذين اختطفوا الجثة لمجرد روبوت ، يرتدى هيكل سيده .



تحسس ( فخرى ) الجديد موضع الرصاصة المرتدة فى جبهته فى غضب ثائر ، قبل أن يعتريه انفعال عنيف غير مسبوق ، و هو يندفع صارخاً :

- أنا لست روبوت .. أنا ( فخرى وحيد ) و قد عدت من الموت ، و الآن أنتم شوهتمونى أيها الأنذال .



كان يندفع فى سرعة ، حتى أن ( نادر ) لم يتفاداه فى الوقت المناسب ، و هو يتلقى ضربة رهيبة من ذراعه اليمنى كلها ، أطاحت به لثلاثة أمتار فى الهواء ، قبل أن يتدحرج محطما بعض أصص الزرع و يهمد فى سكون ..



و من خلفه اقتحم ( فخرى ) الآلى سور و سياج حديقته القصيران فى لحظات ، و جسده يتلقى عشرات الطلقات القوية ، دون أن تمنعه من فرط سرعته و قوته ، حتى انقض على اقرب شاحنة جنود و قبض عليها بكفين من التيتانيوم و الفولاذ المرن ، و حملها بقوة مدهشة لم يرها الرجال فى أى آلى من قبل ، ثم ألقاها بوزنها الذى قارب الطنين ، نحو أقرب حشد من السيارات و رجال الأمن ، و انفجرت إحدى السيارات تحت الشاحنة مطيحة بثلاثة من الرجال ، و معاون قائد القوة يصرخ :

- تراجعوا .. اقصفوه بصاروخ .. بل اثنان .



التقط ( فخرى ) الجديد صرخة الرجل فالتفت اليه بابتسامة تحمل أكثر درجات الجنون و الوحشية عنفا ، ثم ثنى ركبتيه بشدة و دفع قدميه الخارقتين فى الأرض لينفرد واثبا من جديد ..



و كانت وثبته مذهلة قطع بها تسعة أمتار متجاوزا ثلاثة سيارات و سبعة رجال ، ليهبط أمام المعاون ، و يقبض على رقبته بكفه اليسرى و الشدق يتطاير منه كمل لو كان وحشا أسطوريا ، و هو يقول :

- لقد اصدرت توا أمرا باعدامى .



ثم رفعه من عنقه بغتة عاليا و بامتداد ذراعه على نحو تحطمت له فقراته العنقية ، فجحظت عيناه و هو يلقى مصرعه فى صمت بشع و قاتله يواصل بتلذذ :

- أما أنا .. فأنفذ على الفور .



ثم التفت نحو مقاتلا يستعد لإصابته بصاروخ مباشر ، و ألقى جثة المعاون نحوه لترتطم به فى نفس لحظة ضغطه لزناد القاذف الصاروخى ، فانطلق الصاروخ نحو السماء ، و انهالت الرصاصات على المسخ بكثافة كالسيل ، و الذى لمح حامل صواريخ ثان يهم بقصفه من أعلى مبنى قريب ، فقفل عائدا بسرعة البرق الى مبناه ، و اختفى داخله ..



لم يجرؤ أحد على مطاردته و المعاون الثانى يسأل القائد المحتمى داخل مصفحة :

- ألا ينبغى مغادرة القبة بأقصى سرعة و تركه ينسحق هنا مع قنبلته كالحشرة ؟



قال القائد بمرارة :

- و هل تعتقد أنه سيدع الفرصة تفلت ، لنجده قد غادر معنا للخارج ؟ ألم ترى سرعته بأم عينيك ؟



صاح المعاون فى مزيج من الحنق و العصبية و التوتر :

- و ماذا عنا ؟ هل سنلقى ذات المصير مع هذا الشئ اللعين ؟



جذبه القائد من تلاليبه هاتفا فى صرامة شديدة :

- و ماذا عن العاصمة أيها الأحمق ؟ هل نضحى بها لإنقاذ حياواتنا القليلة .. ماذا عن ( مصر ) ؟



ارتج على المعاون للحظة دون أن يجد حلا ، قبل أن يلين صوته قائلا فى رفق لم يخل تماما من العصبية و القلق :

- لست أقل عنكم وطنية يا سيدى ، لكن .. لنلجأ لحل وسط .. لماذا لا نجد وسيلة للقضاء على ذلك الوغد بالخارج بافتراض استطاعته اللحاق بنا و الخروج معنا ، دون أن نثقل كاهلنا بأمر القنبلة التى سنتركها تطلق شرها هنا ؟



انعقد حاجبا القائد و هو يفكر فى الثغرة المتبقية ..

كيف سيواجهوه فى الخارج لو هرب و اختفى ، بينما يمكن التضحية و سحقه هنا وسط الجحيم النووى ؟

و بينما يهم بإلقاء أوامره ..

« لا داعى لاخفائها.. » ..



نهض ( نادر ) و هو يحدق فى مشهد ( فخرى ) صاحب العبارة ..

كان يبرز من المبنى حاملا القنبلة النووية العسكرية الحديثة بحجم حقيبة كبيرة ، و يضعها بالأجزاء المتفاعلة و شاشتها المضيئة أمام المبنى ، مستطردا فى تشفى مجنون :

- هذا لأنه لم يعد من الممكن ايقافها أو افسادها .



و كانت الشاشة المضيئة ذات العد التنازلى عند الثانية مائة و عشرين ..



أى باقى دقيقتين فقط و يحدث الإنفجار الرهيب الذى لا مفر أو مهرب منه ..



و فى غضب اتجه نحو ( نادر ) قائلا فى غضب :

- كنت قد تمنيت أن تموت و أحيا ، و لكن الظروف تجبرنى على الموت معك .



ثم ابتسم فجأة ، قائلا بجنون حقيقى :

- و لكنك ميت فى الحالتين ، أرأيت كيف ينصفنى القدر من شرورك السابقة ؟! بينما سأعود أنا .



ثم ضحك بشدة و هستيرية ، و ( نادر ) بقول فى بطء :

- اننى اتسائل : اذا ما افترضنا انك تعتبر هذا فوزا ، فهل يعد هذا انتصارا ، خاصة و أننى رجلا ..!



و اقترب منه خطوة فى هدوء ، مواصلا :

- فاقدا للذاكرة .

تجمدت ضحكته فى دهشة جعلته كالمعتوهين ، قبل أن تهب على سحنته رياح شيطانية ، أحالت ملامحه الى غضب هادر ، و  زاد من دمامته تمزق بعض أربطة أجزاء وجهه الحيوية ، و تفجر كرة عينه اليمنى ، قائلا بمقت الكون كله :

- و أنا الذى كنت أعتقدك ممثلا كبيرا ، تؤدى دور نسيانك لى و لمواجهتنا السابقة .



و استعادت ذاكرة ( فخرى وحيد ) المخزنة بدقائقها فى أعماق رقائق عقله الإلكترونى الجديد تلك المواجهة ، و ذلك فى جزء ضئيل من الثانية ..



المواجهة التى حدثت أثناء غيابه نصف العام الكامل إياه ..

كان يسعى لحلم عمره و حلم من سبقوه عبر التاريخ كله ..



الخلود ..



الخلود المدروس علميا ..



البقاء بعقله و شخصيته و اسلوبه و سمات نمطه و فكره و ذاكرته لمئات السنين ..



مئات المئات منها ..



كالأجداد الأوائل ..



لسنوات لا تعد بعد فناء جسده الطبيعى ..



بعقل بشرى و جسد بيوآلى من معادن لا تبلى بسهولة ، و قابلة للتغيير أيضا ..

و أطلق على المشروع الضخم اسم ( سر الشيطان ) مشيرا الى خلود الشيطان ..

و كانت النظريات و المعادلات صحيحة و المعمل الآلى جاهز للإنطلاق ..

كل شئ جاهز نظريا ..

لكن على أرض الواقع العملى اصطدم بمشكلة التمويل ..

و اضطر لخداع منظمة اجرامية كبيرة ليحصل على المال اللازم لمشروعه الشيطانى ..

و استعانت المنظمة بـ ( نادر ) بعد كشفها بشكل ما لخداع ( فخرى ) ..

و كانت المواجهة التى لم يعدم فيها ( نادر ) القديم وسيلة للإنتقام من العالم الذى كان فى مراحل مشروعه النهائية ..



و من أجل هذا ضحى فخرى بفريقه العلمى و مخزون ضخم من السبيكة المعدنية الخالدة التى استنفذت وحدها تسعين بالمائة من المال ، كما أحرق ( نادر ) كل أبحاث فخرى الأخرى و قتل زوجته و ابنائه الثلاثة الناضجون و دمر منزله الفاخر و دق عنق حفيدته الوحيدة فى قسوة لا مثيل لها ..



فاضطر ( فخرى ) المذعور للهرب الى هذا المكان الذى لا يعرف بأمره أحد ، و نقل ما استطاع نقله مما تبقى من امكانيات المشروع ، حتى أنهى مراحله الأخيرة بنجاح ..



بل ان أحد مساعديه المأجورين المطللعين على صراعات العالم السفلى ، قد بشره و شرح صدره بنقله لخبر ذلك الهجوم المباشر و المركز و المباغت على تلك المنظمة الإجرامية ، و المذابح التى جرت بالجملة لأعضائها ، لدرجة فرار زعيمها ( غريب الحسينى ) بحارسه الوحيد ، و عدم تمكنهما من النجاة بعد إصابتهما الكبيرة ، و محاولة انقاذهما الفاشلة فى المستشفى ، خاصة بعد وصول ذلك القاتل المحترف اليهما ..



حارسه الذى عاد يظهر له باسم ( نادر ) ..

و عندما واجهه مجددا ، لم يتذكره فعليا فى البداية ربما لإختلاف اسلوبه ، و لكن عندما فعل أسره و رفيقاه فى ذلك القبو ، الذى كان يعده لبرنامج حافل يبدأ بسلخ رفيقيه أمام عيناه ..

و لكن الأحداث تطورت ..

و هاهو ذا يجده أمامه بلا ذاكرة يندم عليها ..

بلا ماض يعاقب عليه ..

أشد العقاب ..

« لقد سببت لى آلاما لا تحصى يا هذا » ..

انعقد حاجبا ( نادر ) فى شدة و هو ينتبه لكلمات ( فخرى ) جيدا ، و الذى تابع بمرارة بشرية مسجلة نابعة من عذابات هائلة :

- لقد قتلت أهلى و حياتى .. قتلتنى ربما ألف مرة ، و الآن تفلت من ماضيك هكذا .. فى حركة واحدة .. كنت قد جعلتنى استسلم للموت طالما ستموت معى بكل آثامك أيها الشيطان .. جعلتنى استسلم رغم حلمى الكبير الأبدى ، و لكنى الآن سأحيا الى الأبد سأنتقم منك بطريقتى الخاصة ، بأن أحيا .. أحيا .. أحيا .

و أطلق ضحكته المجنونة العجيبة كما لو أنها مسجلة يستدعيها بإشارة سريعة واحدة ، و هو يندفع بسرعة مخيفة نحو المهندس العسكرى المسؤول عن قبة الطاقة ، و يقبض عليه فى وحشية ، و هو ينظر اليه مباشرة بعين بشرية الشكل ، و أخرى اليكترونية غائرة و مخيفة ، هاتفا فى شراسة رهيبة سقط لها قلب المهندس :

- أوقف عمل تلك الهالة اللعينة التى تمنع خروج البشر و الإشعاعات .. اوقفها الآن أو أوقف قلبك بأصابعى مباشرة .



غمغم المهندس بصوت ممتقع مبحوح :

- و ما أدراك أنها لا تخرج البشر ؟ يمكنك محاولة تجاوزها و سترى أن ..!



بتر المسكين عبارته فى هلع هائل ، عندما أحاط الآلى موضع قلبه بأطراف أصابعه الفولاذية ، و ضغط قليلا و هو يكشر عن أنيابه ، قائلا فى غضب مخيف :

- لا تحاول أيها المتحذلق التافه ، لقد كنت عالما مرموقا فى الذبذبات ، و لدى خلفية تامة عن مجالات الطاقة المهلكة و العازلة ، فهل ستوقفها أم ..!



صرخ المهندس بألم لا يطاق و ذعر حقيقى :

- حسنا سأفعل .. أقسم أننى سأفعل .. فقط توقف .



رفع أصابعه عن صدره ، و هو يدفع اليه بحاسبه المحمول ، و المهندس يشعر بمرارة رهيبة لاضطراره مخالفة تعليمات أمن الوطن ..!

و دوت تلك الفرقعة بعنف و دوى كاد يصم الآذان الى الأبد ..

فصاح المهندس فى حدة و رعب :

- رباه .. شيئا ما أفسد عمل القبة قسرا .

أرسل ( فخرى ) بصره المتطور الى السماء ، فشاهد ذلك الصاروخ الذى أطلقه المقاتل الأول ، و هو يواصل طرقه العمودى لأعلى .. فغمغم فى وحشية و هو يتحرك متجاهلا المهندس تماما :

- يبدو أن مستقبلى فى هذا العالم لم يحسم بعد .



و بينما يعدو نحو أطراف المنطقة التى كانت محددة بقبة طاقة منذ لحظات ، القى ( نادر ) نظرة قلقة نحو توقيت القنبلة النووية المستقرة أمام المبنى ..



و على شاشة العد التنازلى الرهيب ..



كان باقيا نصف دقيقة على الإنفجار ..



و أدرك أن الوقت لن يكفى لخروج رجال الأمن الشجعان خارج مجال قبة الطاقة – التى تلاشت بالفعل – قبل إنفجار القنبلة ، و لكنه يكفى لإعادة إغلاق القبة و إنقاذ الوطن كله ..

( مصر ) ..



و فى سرعة اتجه الى القائد ، قائلا له فى حزم :

- سيدى فلنعيد إغلاق القبة قبل إنفجار القنبلة ، و بأقصى سرعة ممكنة .. كآخر عمل وطنى واجب علينا ، و ليحتسبنا الله تعالى شهداء .

شعر القائد بالتأثر خاصة و هو لا يقل عنه وطنية ، بينما قرر ( نادر ) مطاردة المسخ الآلى ، و قبل أن يبتعد عنه تذكر عبارة ( فخرى ) :

- لقد سببت لى آلام لا تحصى .

و عبارة ذلك الطبيب :

- لن تصبح ممن يشعرون بالألم .

و التفت الى القائد قائلا فى ألم مما اقترفت يداه فى ذلك الماضى :

- سيدى سألت عن هويتى أول مرة رأيتنى ، يمكنك أن تدعونى بـ ( رجل الآلام ) .

ثم تحول الألم الى انفعال ..

و الإنفعال الى ثورة ..

ثورة لا قبل لأحد بها ..

« سيحولك رد الفعل الى وحش .. كتلة من العنف .. و ذلك وقت ذروة إنفعالك » ..

و انطلق يعدو فى أثر ( فخرى ) ..

و معه انطلقت أصابع المهندس المسؤول ، تجرى فى تحدى و سباق مع الوقت ، لإعادة تشغيل القبة ..

تبقت خمس و عشين ثانية فحسب على الإنفجار الساحق ..

و وصل ( فخرى ) بسرعته الى منطقة حدود القبة المعطلة ..

و ضغط المهندس الزر الأخير ..

و قبل أن يتجاوز ( فخرى ) نطاق القبة بسرعته الصاروخية ، نشأ جدار قبة الطاقة فجأة ، ليرتطم به جسد ( فخرى ) الآلى بمنتهى العنف ..

و دوت قرقعة عملاقة و كأنما اخترق حاجز الصوت ، و أطلق ( فخرى ) صرخة حادة و جسده ينطلق كالقذيفة عائدا باتجاه مبناه .. و ارتطم بالجدار بقوة كبيرة و اخترقه على نحو مدمر ، و عبر الى الناحية الأخرى ليسقط على وجهه الى جوار القنبلة النووية تماما ..

و التى اشارت ثوانيها الى عشرين ثانية فقط ..

و لم يمهله ( نادر ) ..

كان انفعاله قد وصل الى ذروته عندما حمله بيديه فى قوة ، حتى ارتفعت قدماه الآليتان عن سطح الأرض ، و سأله بكل صرامته :

- من أنا ؟!

قال ( فخرى ) بصوته الخشن المبرمج و تدخلات أشبه بالشوشرة تطغى عليه :

- أنت قاتل .

انعقد حاجبا ( نادر ) و هو يسأله فى قوة و عينيه تتألقان بغضب مخيف :

- قاتل محترف ؟!

غمغم ( فخرى ) بإنهاك عنيف ، إثر ارتدادة قبة الطاقة :

- قاتل .

هزه ( نادر ) فى قسوة صارخا :

- ما اسمى ؟!

ردد ( فخرى ) بإصرار و ضعف :

- قاتل .

زمجر ( نادر ) و هو يلكمه أسفل ذقنه ، ثم يطرحه أرضا و يركله مرتين ، ثم يضغط على عنقه بقدمه فى عنف ، صائحا :

- إلام أنتمى ؟!



ابتسم ( فخرى ) ابتسامة بشعة ، مع فقده لعينه البشرية الباقية ، و هو يجيب فى عبث جنونى :

- قاتل .. قاتل .. قاتل .

انقض عليه ( نادر ) بكل ثورته و حمله عاليا ، ثم ضرب رأسه بالأرض بغضب هادر ، و لم يتركه عند هذا الحد ، بل رفعه ..

و ضربه مرة ثانية ..

و ثالثة ..

و رابعة ..

ثم القاه بعيدا و قد التوى عنقه بشدة ..

و فى نفس اللحظة فوق ذلك المبنى ، غمغم الجندى حامل القاذف الصاروخى الثانى فى بغض ، و هو يتابع جسد ( فخرى ) عبر منظار قاذفه :

- و الآن ستنطلق الى الجحيم رأسا أيها القرد .

و أطلق صاروخه الرفيع نحو جسد ( فخرى ) الآلى ..

تبقى ثانيتان على إنفجار القنبلة ..

و انفصل رأس الآلى ..

و دفع الإنفجار المحدود جسد ( نادر ) فى عنف غير مقصود من الجندى الموتور ..

تبقت ثانية واحدة ..

و دفع ذات الإنفجار القنبلة النووية لنحو خمسة أمتار فى اتجاه مضاد لـ ( نادر ) ..

قبل أن تنفجر ..

إنفجار نووى ..

و كأن الجحيم نفسه نشأ فى المنطقة ، ثم تمزق و انقلب مطلقا كل نيرانه دفعة واحدة ..

و تمتم ذلك الجندى حامل القاذف و المبنى يتزلزل و ينهار كالهشيم تحت قدميه :

- على الأقل سألقى أبى و جدى .

كان باقى الجنود قد انطلقوا يجرون حتى أطراف قبة الطاقة ، و من خلفهم سمعوا هديرا عملاقا ، و كأن ألف ألف كركدن ثقيل يطاردهم ، زحفت خلفهم موجة ضخمة من التربة بسرعة أكبر من سرعتهم ، و قبل النهاية و جدار الطاقة بأمتار قليلة ، أطلقوا صيحة رعب مشتركة ، قبل أن تبتلعهم أول موجة من موجات الإنفجار النووى الساحق ، و هى الموجة الحرارية التى شوتهم كالنعاج ، قبل أن تطمرهم موجة التربة الكثيفة ، و ترتد من جدار الطاقة المحكم لتسحق كل شئ تحويه القبة التى احتملت الإنفجار سحقا .. معلنة النهاية ..



نهاية سلاح ..



و نهاية مجنون ..



و نهاية أبطال ..



*    *    *



هناك أسطورة فرعونية تشير الى أن لكل انسان اسما خفيا ، عليه البحث عنه ، فاذا ما اكتشفه عرف سر وجوده



*    *    *



الختام ..            The End         

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





بعد الأحداث الأخيرة بشهر كامل ، صباح يوم 6 أكتوبر .. مركز إدارة أمن الدولة العليا ..





تقدم ذلك المدنى الأشيب ، بخطوات هادئة صنعها حذاؤه اللامع ، وسط تلك الممرات النظيفة البيضاء و المضاءة جيدا ، حتى وصل لحجرة بعينها يحرسها جندى يقظ ، فتح له بابها قبل أن يغلقه خلفه بهدوء و حرص بالغين ..



و فى الداخل ألقى المدنى نظرة على ضوء الشمس المتدفق من النافذة الكبيرة ، صانعا تموجات رائعة على ذرات الهواء ، قبل أن يتجه الى مقعد مجاور للفراش الوحيد الذى غاص فيه شاب وسيم ، قال له الأشيب :

- أنت الناجى الوحيد .



قال بهزة رأس تشبه تحيات الإنجليز :

- تشرفنى زيارتك يا سيدى .



لم يكن المدنى سوى السيد ( رشاد ) نفسه مدير قسم العناصر الخاصة ، و هو يقول باقتضاب :

- لقد أنقذناك بأعجوبة منها .



قال الشاب بهدوء حمل فيض من المرارة :

- حمدا لله ( تعالى ) .. ذلك الجندى أنقذنى دون أن يقصد ، عندما دفعنى انفجار صاروخه لأسقط داخل تلك الحجرة العازلة تحت الأرض ، قبل الإنفجار النووى بلحظات ، مما كان له تأثير مباشر فى نجاتى .



قلب المدير كفيه فى تعجب ، قائلا بنفس الهدوء المسيطر :

- لقد أكد ( سمير ) أنك سقطت بالفعل فى القبو المصفح العازل ، و تحركنا بسرعة لتلاشى الأكسجين من المنطقة لإنتشالك .. لكن كما أخبرنى كانت توجد هناك آلة جهنمية ، فكيف لم تؤذيك ؟



قال الشاب الذى لم يكن سوى بطلنا ( نادر ) :

- بعد رعاية الله ( تعالى ) ، لم تتعرض لى الآلة لسقوطى فوقها و جسدى بسلبيته احتمل التيار الكهربى .. لكن الخطر الوحيد كان تلاشى الأكسجين كما قلت و نقص الدم المؤكسد فى مخى مما أسقطنى فى الغيبوبة التى انتهت أمس ، و يرجع الفضل فى انقاذى من ذلك لسرعة ( سمير ) و الفريق الطبى الإشعاعى باخراجى ، و فى حقيقة علمية تقول أن القوة التدميرية تقل فى وسط الإنفجارات النووية عن أطراف منطقة الإنفجار ، نظرا لطبيعتها الإنشطارية ، لكن بشكل عام نجاتى من انفجار نووى معجزة كبيرة .

أومأ الرئيس براسه مؤيداً فى صمت ، و حملت لحيظات من الصمت معانى عميقة من الشكر و الإيمان ، قبل أن يتمتم ( نادر ) :

- سمعت أن الجمجمة شديدة القوة لذلك المسخ قد احتفظت برقائق ذاكرتها سليمة ، و أن المعامل تعكف على استخراج ذاكرة ( فخرى ) اللعينة .. و أن هذا قد يقود بدوره لأعرف شيئا جديدا عن ماضيى ، شئ قد يكون بغاية الألم لكننى لابد أن أعرفه .



أومأ رئيس القسم برأسه مؤمِّناً على معلوماته ، و ( نادر ) يتدثر قليلا بالصمت قبل أن يغمغم بألم بادى و حزن جلى :

- لقد فجعت مرتين فى ذلك الصباح ، مرة عندما علمت من ذلك الوغد ما أجرمت فى حقه ، و مرة عندما لقت قوة الأمن كلها مصرعها .. ذلك الحقير قام بأبشع مما فعلت ، و مما صنع هو طوال حياته .. صحيح أننى لا أعرف طعم الألم ، و لكنى الآن أشعر بكل الألم .. كله .



ربت المدير على كتفه بأبوة ، قائلا برصانته المعتادة :

- المثل يقول ( ما لا يقتلنا يقوينا ) .. فهو يبث فينا نوع من الخيرة كالمناعة ، لكن تكرار الشعور بالألم المعنوى يقتل نفسيا و وجدانيا ببطء ، لذا فنحن المقاتلين حماة ( مصر ) الحرة و العزيزة ، لابد أن نعتاد هذا النوع الأخير من الألم ، نفهمه و نقدره و لكن لا ندعه يؤثر فينا ، لا ندعه يضعفنا .. لأننا مقاتلين نعمل حراس لـ ( مصر ) العظيمة .



ثم نظر مجددا لضوء الشمس الذهبى الجميل ، و هو يقول بعمق و ثقة :

- ينبغى أن نكون مقاتلين كما ينبغى ، هل تفهم يا ( نادر ) ، ينبغى أن تكون رجلا فوق الألم .



و شرد ( نادر ) فى المعنى ..



و فى نور السماء ..



*    *    *



[ تمت بحمد الله تعالى ]

بقلم / عصام منصور


جميع حقوق النشر الإليكترونى والورقى محفوظة للكاتب ومدونة (يوميات عصام)

تعليقات

المشاركات الشائعة