بينما أرقد محتضرة : 6 goodreads - review



وعى فوكنر عقب احتضاره !

هلموا لإلقاء نظرة فاحصة على واحدة من أمتع روايات " فوكنر " والجنوب الأمريكى ، والمرسومة بأسلوب تيار الوعى، حيث يتدفق وعى الشخوص بحمولات نفسية وجغرافية متشابكة ، لكن كلها تمضى فى رحلة لوداع الأم من مقاطعة (يوكناباتاوفا) الخيالية التى تدور فيها معظم أعماله، حتى دفنها فى مسقط رأسها فى (جيفرسون) ، متجشمين عناء رحلة تدور مطلع القرن العصيب الفائت ..






 و" ويليام كتبيرت فوكنر " (25 سبتمبر 1897 - 6 يوليو 1962) هذا هو روائي أمريكي وشاعر، وأحد أكثر الكتاب تأثيراً في القرن العشرين. حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1949، كما نال جائزة بوليتزر في عام 1955 عن (حكاية خرافية)، وفي عام 1963 عن (الريفرز). تتميز أعمال فوكنر بمساحة ملحوظة من تنوع الأسلوب والفكرة والطابع.واستلهم "فوكنر" معظم أعماله من مسقط رأسه، ولاية ميسيسبي، حيث يعد أحد أهم كتاب الأدب الجنوبي بالولايات المتحدة الأمريكية، وينضم إليه في نفس القائمة العظيم مارك توين، وروبرت بين وارين، وفلانري أوكونور، وترومان كابوت، وتوماس وولف، وهاربر لي، وتينيسي ويليامز. وكان فوكنر قليل الشهرة قبل فوزه بجائزة نوبل للأدب لعام 1949، بالرغم من أن أعماله نشرت منذ 1919، وفي عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. هذا، ويعتبره البعض الآن أعظم روائي في التاريخ.
فى هذه الرواية التى كتبها " فوكنر " خلال 6 أسابيع دون أن يعدل فيها حرف قبل النشر، وجدت أن أصعب ما فيها ترجمة ( سمير عزت نصار ) ، الصادرة عن دار (النسر) الأردنية عام 1989، عن الطبعة الصادرة سنة 1964 لكنها نشرت لأول مرة سنة 1930 قبل حصوله على جائزة نوبل بتسعة عشر عاما.لكن أضافت الرواية لى الكثير من صنعة الأدب، فهى الأولى من نوعها فى رواية (البوليفونيك) متعددة الرواة .. رواية وجهات النظر، التى سبق وأن قرأت فيها رائعة العم "نجيب محفوظ" (ميرامار) ، ذلك البنسيون ذو الشخوص المميزة .. العنوان مأخوذ من عبارة أجاممنون لأوديسيوس : "As I lay dying, the woman with the dog's eyes would not close my eyes as I descended into Hades." !



(
لقد كان فوكنر أوفى شياطيني)
جابريل جارسيل ماركيز -

هناك معان عميقة لا أجرؤ على الإدعاء بأننى ألممت بها جميعها، لكنى أعرف أننى سأقرأ هذا العمل ثانية .. وأننى لواجد أشياء جديدة لم أفهمها فى حينها. كان "فوكنر" يكتب روايته ليلاً أثناء العمل في غرفة التسخين والتدفئة بجامعة ميسيسيبي ليلاً، لقاء مبلغ 75 دولاراً في الشهر تساوي القسط الشهري للقرض المالي الذي اشترى به بيته. "فوكنر" الأكاديمى فى روايته هذه غير مستوعب بالكامل بالنسبة لى، بل أكاد أعترف أننى وجدت صعوبة كبيرة فى إنجاز قراءة 213 صفحة خلال أسبوع كامل، إذ كنت أقرأ بمعدل من فصل الى ثلاثة كل مساء، وأحيانا كنت أشعر بتقصيرى فى البحث عن المعانى المواربة، ربما كان للترجمة الصعبة دورا فى هذا، لكنى تمرست على تجاوز الترجمات الصعبة وإيجاد المعانى الأصلية، فما السبب ؟ السبب أن الرجل كان كلاسيكيا وشديد الأكاديمية، وقضية الكتابة الروائية عنده قضية عظيمة القدسية، يقول هو نفسه عن الرواية : ( إن الرواية كالمرأة، إن لم تقوم بإظهار باطن كفك لها ركبتك ! ) نعم الى هذا الحد كان الرجل صارما يحترم طبيعة عمله السامى، ولهذا الحد استحق "نوبل" التى تتمنع على المستهترين المحجمين المقصرين..

فى هذا العمل كان قادراً عن الكتابة عن تابوت كئيب، بنفس الطريقة المذهلة التى يكلمنا فيها فى أعماله عن أساطير وقضايا الجنوب الأمريكى المعقدة والغنية بالتفاصيل الساحرة والمدهشة، وستندهش عندما يتمكن من أن يحببك فى مجرد بغل أو جواد أو بقرة، حتى لو غرق الأول وبيع الثانى ونسيت الثالثة !

يقول نقاد : إن الرواية عند "فوكنر" كالعمل النحتى، يمكنك أن تواصل الدوران حولها باستمرار، للحصول على رؤى وزوايا مدهشة فى كل ناحية، من الكتلة الصلدة ذاتها. وهذا ما جعلنى أشير لحتمية قراءة ذات العمل بضعة مرات، هذا الرجل الذى كان شاعرا فى الأساس أوحى لى بمعان شبه متضاربة، وعليك أنت وحدك أن تستخرج المراد دون مساعدة، و "فوكنر" نفسه كان من العظمة بحيث أننى سأشعر برهبة مفرطة لو وقفت أمام شخص يشبهنى، لم يستقر على عمل واحد طوال عمره ولم يكن تلميذا مدرسيا جاداً وكان محبا للعزلة مثلى بالضبط ! هذا الرجل ضئيل القوام كان يمكنه أن يكتب فى أصعب ظروف، فوق عربة أو تحت القصف، ولا يعير النقاد أو القراء أى أهمية رغم الصعوبات المالية الخطيرة التى واجهها، لذا ظل مجهولا سنوات طوال حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حتى أن نشره رواية “الصخب والعنف” و “بينما أرقد محتضرة” لم يكن كافيا، فكان عليه ان ينتظر نشر رواية “الحرم”؛ فعرفه امبراطور الإنتاج والإخراج السينمائيين (هيوارد هيوز)، ومنحه الثراء ، ومن ثم حصل على "نوبل" وبدأ العالم يقرأ العبقرية الفوكنرية..

شخوص الرواية تتضح علاقاتها وتاريخها ونفسياتها شيئا فشيئا كلما توغلنا وسط رحلتهم لدفن الأم المتوفاة حديث لتلك العائلة الفقيرة من البيض، وبالتالى فمحور العمل هى الأم "آدى بندرين" Addie Bundren
زوجة " آنس بندرين" قوية الشخصية، وأم "كاش" و"دارل" و"جويل" و"ديوى ديل" و "فاردامان" .. يليها "آنس Anse Bundren" الأرمل المخلص لوصية زوجته بالدفن عبر مسافات طويلة فى مكان ميلادها، والذى يعانى منه الجميع من كسله وبخله وحرصه.. أما "كاش Cash Bundren"
فهو الإبن البكر والنجار البارع، الذى صمم نعش الأم بحرص.
ثم يليه "دارل Darl Bundren"
ثانى أكبر أبناء العائلة، وأعقلهم وأبرعهم دقة وصف حتى أنه يروى 19 من أصل 59 فصل !
يليه فى السن "جويل Jewel Bundren "
ومعنى منطوق اسمه بالإنجليزية الياقوتة أو الجوهرة، وهو أكثر إخوته قربا من قلب الأم. تليه الإبنة الوحيدة " ديوى ديل Dewey Dell Bundren "
ذات السبعة عشر ربيعا.
 
وآخر العقد طفل العائلة " فاردامان Vardaman Bundren "
خارج العائلة هناك " فيرنون تول Vernon Tull "
وهو أفضل صديق للعائلة، وهو مزارع طيب أقل تدينا من زوجته " كورا Cora Tull "
ذات اللغة المسيحية التى تعبر عن جزء من شخصية "فوكنر" نفسه، المسيحى المحافظ المحب لقيم دينه الأخلاقية باعتبار الإنسان كائن روحى بلا تشدد.
طبيب العائلة هو " بيبودى Peabody "
الشخصية العابرة لروايات "فوكنر" بحكم ارتباطه بالمقاطعة الخيالية التى تلخص العالم، والطبيب المسلح باحترام هائل لمهنته، احترام يصل حد رفعه بالأحبال عندما يصل للمنازل العالية عن الطريق كمنزل " آنس" !
"
لاف Lafe " هو من أعطى " ديوى ديل " 10 دولارات لتحل مشكلتها التى لم تفصح عنها قط !
هناك القس المذنب " وايتفيلد Reverend Whitfield "
هناك المزارع المحلى " سامسون " وزوجته " راشيل " - يهود - اللذان استضافا عائلة " آدى " فى طريقهم الى " جيفرسون " ، مثيرين امتعاض "راشيل" الهائل من طريقتهم فى جر المتوفاة فى الريف، وحمل جثتها على العربة طوال تلك المسافة الى درجة التحلل والتعفن وبث الرائحة البشعة !

مع مرور الوقت ستتكشف أمامنا حقائق مريعة وبائسة، كعلاقة الأم الراحلة الجنسية مع كاهنها "وايتفيلد" ، مما أدى بها لإنجاب ابن غير شرعى هو "جويل" الثائر الذى يعشق حصانه فوق كل شئ آخر وتسبب أبوه فى فقده إياه، والذى لن يكون مصير أشقاؤه أسوأ مما حدث له، فـ " كاش " ستكسر ساقه ثانية بسبب انقلاب العربة فى النهر، وصراعه لإنقاذ نعش أمه وستجبر بشكل خاطئ، و " فاردامان" سيفقد جزء من نباهته وعقله مع موت أمه، أما " دارل " فسيفقد عقله كله وسيحرق مزرعة مضيفهم، وسيدفع به أبوه الى المصحة النفسية على اعتبار أن ذلك أفضل من أن يسجن، ولقح "لاف" الإبنة " ديوى ديل " لنعرف أن المشكلة النسائية ليست سوى الحمل .. وأن العشرة دولارات ليست سوى مساعدته لها كى تبتاع دواء الإجهاض، ومع آخر سطر فى الرحلة الملحمية من أجل " آدى " وبعد الدفن، يتجاهل "آنس" كل شئ ويرتبط بزوجة جديدة يرجع بها من المدينة !



وأختم بكلام " فوكنر " المؤمن المحذر وهو يتسلم جائزة " نوبل " منتصف القرن الماضى بالضبط:
(
ليس الرجال في الحشد هم الذين يستطيعون ويقدرون على انقاذ الانسان ..انه الانسان نفسه ، المخلوق على صورة الله ، لكيما تكون له القوة والارادة ، ان يفضل الخير على الشر ، وهكذا يقدر على انقاذ نفسه لانها تستحق ان تنقذ ـ الرجل – الفرد ، الرجال والنساء الذين سيرفضون دائما ان يخدعوا او يفزعوا ، ان يرتشون من اجل الاستسلام، لا يكون من حقهم فقط بل من واجبهم ، لان يختاروا ، بين العدل والظلم ، الشجاعة والجبن، التضحية والجشع، العطف وحب النفس – الذين سيؤمنون دوما بحق الانسان لان يكون حرا وبعيدا عن الاغتصاب ،الظلم والاغواء ، بل من حق ومسؤولية الانسان ان يرى بأن العدل والعطف والرأفة، يجب أن يسودوا...

وهكذا ، لا تخف أبدا .... لاتخف، من إعلاء صوتك، من أجل الامانة والحق والرأفة ، ضد اللاعدل والكذب والطمع).

رابط الريفيو على الجود ريدز
http://www.goodreads.com/review/show/606935018

قراءة / عصام منصور
28 - 4 - 2013


تعليقات

المشاركات الشائعة