تراجيديا لا تعني مأساة


 

كمُترجم على قدي، أعتقد إن كلمة (تراجيديا) زيها زي كلمة (دراما)، مينفعش نترجمها لكلمة عربية مفردة زي (مأساة) ونسكت. تراجيدي Tragedy أكثر عمقًا وثراءً من مجرد كلمة (مأساة)، وده يرجع للآتي طبقا لعلم أصول الكلمات (إيتيمولوجي):
1- لأنها مستمدة من كلمة (تراجوديا) trag(o)-aoidiā، اللي معناها (أغنية العنزة)!
2- ليه المصطلح ده؟ لأنه مستمد من إنشاد جوقة أو كورال راقص اسمه (تراجودوي)، ودي متركبة من مقطعين (تراجوس) tragos يعني: جلود الماعز أو: (هو معزة)، و (إيديان) aeidein يعني (يغني)، فتبقى تراجوديان أو تراجودوي يعني (المغنون الأعنُز)! برضه مفهمناش، ليه المغنين دول معيز في نفسهم
😅
3- لأنهم - وإحنا لسه في مرحلة التأثيل، أو علم أصول الكلمات - بيغنوا تشبهًا بالإله (ديونيسوس) Dionysos إله النبيذ والخصوبة الإغريقي، أو تشبهًا بقرابينه. فقادة الجوقات دول كانوا بيأدوا رقصة (ديثورامبوس) بمصاحبة الناي، واللي اسمها يعتبر في نفس الوقت، أحد الألقاب القديمة لـ (ديونيسوس). من هنا جه اسمهم (المغنون الأعنز).
كده انتهى التأثيل، والمأخوذ من رأي (أرسطو) Aristotle شخصيًا. طبعا فيه آراء تانية متنوعة، منها رأي وجيه جدا بيقول إن سبب وجود الماعز في جذر الكلمة، هو القربان الحيواني بالأعنز اللي كانت بتقدم للإله، بس أنا بميل للرأي الأرسطي.
طب ماذا عن تعريف (أرسطو) الرسمي للتراجيديا؟
الحقيقة الراجل قال حاجة معقدة وغنية، مستحيل نلخصها في كلمة وحيدة محدودة بائسة زي كلمة (مأساة). (أرسطو) قال عن التراجيديا: " هي محاكاة لعمل جاد ومهم، من خلال لغة غنية بالزخارف، تختلف طبيعتها باختلاف أجزاء المسرحية، تؤدى بالأفعال وليست مجرد تلاوة، بحيث تؤدي لتطهير النفس عن طريق إثارة مشاعر الرحمة والخوف ".
وده مينفعش نلخصه بالشكل الحالي.
آه أنا متفق إن البطل أحيانا بتتجه قصته على مدار التراجيديا للإنهيار من السعادة والنجاح والاستقرار، للفشل والسقوط والهزيمة، بس العبقريات اللي قريتها لـ (إسخيلوس) تخليني برضه ملخصسش كلمة تراجيديا في ترجمتها الحالية، وأخليها زي ما هي بدون ترجمة.
الموضوع أعمق مما يبدو، لأن (ديونيسوس) - أو (باخوس) في العصر الروماني - كان إله النشوة الدينية والمسرح كمان! وأصله الجغرافي على فكرة غير محدد بدقة، يعني هو انضم لمجلس الأوليمب مع باقي آلهة الإغريق برغم إنه مش إغريقي! فيه رأي بيقول إنه من (تراقيا)، اللي هي النهاردة منطقة بين (تركيا) و(بلغاريا) و(اليونان)، وفيه رأي بيقول إنه وصل لـ (اليونان) كأجنبي، عشان كده بيسموه أحيانا (الإله الذي جاء)، غريب يعني جاي من الخارج..
العجيب تشابه قصة الإله ده مع المسيح، وتشابه قصة والدته مع السيدة العذراء في بعض الأوجه. أمه هي (بيرسيفوني) بنت (زيوس)، إلهة الربيع والنباتات، واللي اسمها في اليونانية (كوري) Κόρη أي البِكر العذراء.
تخيل إله غريب جاي من الخارج، له علاقة بفن الزراعة، ويعتبر وصلة إلهية بين الأحياء والأموات، وأمه خطفها إله الموتى (هاديس)، بيعمل مهرجانات طقوسية عشان الناس تسكر وتنتشي فيها، كان السبب في تطور المسرح، ومن المغنين بتوعه جه مصطلح تراجيديا..
وبرغم كده فيه ناس مصرة إن المصطلح المهم والكبير ده ممكن نلخصه في كلمة واحدة (مأساة)! المأساة الحقيقية إننا نسطح المصطلح ده بدون ما نكون قراء للتراجيديا الإغريقية أصلا.
*الصورة المرفقة لـ(إسخيلوس) Aeschylus، خالق التراجيديا الإغريقية بالصورة التي نعرفها عليها اليوم.


تعليقات

المشاركات الشائعة