ثقافة ( حيحا ) !

 
بعد فترة تجريب طويلة أضرت بالعملية التعليمية بشدة ، كنا ننتظر من سعادة الوزير الجديد ، أن يطور المناهج التعليمية بصفة جذرية ، فالبلد لم تعد تحتمل أجيال الفاشلين ، و فاض بها الكيل و باتت تتوق كل يوم أكثر و أكثر لتعليم أكثر تطورا و ذكاءا و حداثة ..

لكن للأسف الشديد مازالت مناهج كتب الوزارة العتيقة تحمل فكرها الذى تعفن منذ عشرات السنين بلا حقنة انسولين تعيد اليها الحياة أو حتى جرعة فيتامينات مقوية ، فقط مسكنات و مخدرات حتى أصبح جسد تلك الكتب مدمنا مترهلا فى طريقه الى موت حتمى ..

العالم العملاق مصطفى مشرفة عندما عرضت عليه كتب الرياضيات و الفيزياء الحكومية التى يدرسها الطلبة سنويا ، و هو عالم الرياضيات و الفيزياء الأشهر حينها و الذى ارتبط اسمه بأينشتين عالم الذرة و النسبية ، قال بمنتهى الهدوء و الثقة : هذه ليست كتبا فى الفيزياء و الرياضيات ، هذه شذرات متناثرة فى تاريخ هذه العلوم عفا عليها الزمن ، و ليس بها من العلم شيئا .
تصريح خطير للغاية من قمة عصره فى مصر حينها - توفى 1950 - و رغم هذا ظلت المناهج قرابة الستين عاما بلا أدنى التفات لتطويرها ، بلا أدنى اهتمام لمعرفة هل ماتزال كواكب المجموعة الشمسية 9 كما يوهمون الطلبة أم تم استبعاد بلوتو و اضافة 3 كواكب أخرى ؟
هل قفز التاريخ بالفعل تلك القفزة من عهد حرب أكتوبر حتى الآن دون حدوث أية حوادث تاريخية هامة فى مصر كما يخيل للطلبة البائسين المضطرين للحصول على مصادر معلوماتهم حول هذه الفترة من خارج كتبهم المثيرة للسخرية ؟
و الى متى ستظل التربية الدينية و التربية القومية مادتين هامشيتين رغم تاكيد الكل على الطلبة يوميا أثناء طابور الصباح أن الله عز و جل أهم شئ فى الوجود يليه الوطن ؟
كيف ننتظر من طالب ثانوى لا يعرف شيئا البتة عن عاصمة مصر السابقة ، و لا يقرأ روايات كبار الأدباء المصريين ، و يكتفى بلعب ( كونكر ) و ( فيفا ) أن يصبح طالب جامعى على مستوى تنافسى عالمى ؟
لماذا لا يوجد كيان علمى متخصص ينتمى اليه مدرسى الجامعات الجدد فى منظومة للإنتاج العلمى ، فى عصر تقاس فيه كفاءة الجامعات طبقا لقدرات أساتذتها و اسهاماتهم العلمية ؟

أصبح التدريس و المحاضرات بالكليات عملية روتينية مملة و عتيقة تسير على نسق التعليم الثانوى و أحيانا الإعدادى ، أصبحت البحوث العلمية التى هى مقياس تطور البلاد فى كل أركان العالم مجرد شئ تكميلى يدعم الترقيات الفردية لأعضاء هيئة التدريس كما يؤكد الدكتور ( فريد محمد بدران ) أستاذ كلية الهندسة بجامعة القاهرة ، كما أنها دون تمويل من الجامعة ، و كيف تمولها الجامعة و قد أغفلت ما هو أهم و هو راتب الأستاذ الجامعى الضئيل الذى دفعه للعمنل خارج أية تكليفات علمية جامعية مفترضة للحفاظ على وضعه الإجتماعى المناسب ..

لابد من ربط القدرات العلمية فى الكليات بالمشروعات الإنتاجية بالدولة ، و ذلك بتنظيم من قانون الجامعات المهترئ ، فإذا كانت الكليات هى قمة التخصصات العلمية التى تهدف لتطور المجتمع وظائفيا فى الطب و الهندسة و خلافه من آلاف التخصصات ، فكيف نغفل هذا الإنهيار المرعب فى حجم القاعدة العلمية من الباحثين الحقيقيين فى مصر ؟

كيف نتحدث عن التنمية و نغفل العلم ؟ بالله عليكم ألا يبدو هذا حرثا فى البحر ؟ كيف نبذل قصارى جهودنا هباءا لإقامة مجتمع عمرانى مشكوك فى جدواه فى توشكى منذ عشرات السنين ، و لا نعطى أراضيه حتى لقدامى الخريجين من كليات الزراعة ممن فقدوا الأمل فى أن توليهم الدولة قليلا من رعايتها و لو فيما يفيد تنمويا ، بعد أن تم تبوير الأراضى الزراعية و تسقيع شقيقتها الصحراوية و هجر الفلاحون الزراعة الى ايطاليا حتى و لو ماتوا فى عرض البحر بعد اهمال الدولة لهم ؟

كل هذا يذكرنا قسرا بـ ( حيحا ) و هو عملاق كفيف فى فيلم ( أمير الظلام ) ، كانت كل وظيفته فى مباراة كرة العميان ، أن ينتصب بجثته الضخمة ليمنع المنافسين من المرور ، و هو بالضبط ما نفعله حرفيا فكلما بزغ أمل يوحى بتفهمنا لمشكلة ما أو استيعابنا و استخلاصنا لدروس كارثة ما ، نخترع ( حيحا ) ما شيطانى ليعرقل كل شئ بالفوضى تارة و بالفساد تارة أخرى ، و بمناسبة الشهر الكريم أدعو من كل قلبى أن نتخلص يوما من ثقافة ( حيحا ) ، على ألا نستبدلها بثقافة ( جودزيلا ) .. هذه سأخبركم بها فيما بعد ..
 
عصام منصور

تعليقات

المشاركات الشائعة