الفصل الأول- نهاية ماضى : (نادر)


رجل فوق الألم




( نـادر ) ..                       (Nadir)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الهروب من مستشفى ضخم ليس صعباً ، خاصة عندما يستبدل المرء ثوب المرضى ، بثياب مناسبة ..



*    *    *



ذهب الى قسم شرطة ( الدقى ) الأقرب للمستشفى لمعرفة هويته ..



أخبره الموظف أنه ( ساقط قيد ) و عليه القيام بإجراءات تخص هذه الفئة من المواطنين ، و كان عليه حسب الروتين أن يأتى مبكراً فى اليوم التالى ..




و لأنه هرب على التو من المستشفى بعدما حصل على باقى الحساب عنوة ، قرر أن يقوم بشكوى لدى المأمور ، تتضمن حالته كفاقد للذاكرة و بالمرة يحاول الاستفسار عن ( غريب الحسينى ) هذا ، و عند المأمور تعرض لحادث مفاجئ بسبب إعتراضه على بطء الإجراءات الروتينية ، حيث انغرست فتاحة الخطابات فى يده ، و لم ينتبه إلا عندما ميز ذهول المأمور من عدم تألمه ..



و بعدما انتحى به المأمور على انفراد ، اضطر لقص أمر عمليته له ..



و عندما لم يعثر على شخص بإسم ( غريب الحسينى ) بنفس العمر ، لم يكن يعلم أيضاً أن ما سيحدث له فى الأيام التالية ، من الممكن تحققه بالفعل ..



لم يكن حتى يتخيل ذلك ..



لكن الأمر الذى حدث بالفعل و بسرعة ، أن المأمور الذى كان له شقيق يعمل فى إدارة أمن الدولة العليا ، قد أحال أمر الشاب اليه ، و استغل هذا الشقيق المدعو السيد ( رشاد ) ، فقدان الشاب لذاكرته و عدم وجوده رسمياً ضمن مواطنى الدولة ، و قبل هذا قدرته السلبية النادرة على امتصاص الألم ، و ضمه مبدئياً الى مدرسة قسم العناصر الخاصة الجديد بالإدارة ، و الذى يسهر رجاله على مواجهة ( المشاكل الغير إعتيادية ) ..



و لم يتردد الشاب فى الموافقة خاصة عندما أخبره المأمور الكهل ، أن هذا كعمل الشرطة تماماً ، مما ذكره بعبارة الممرضة :

« يالها من مهنة مهنة الشرطة هذه ، فبرغم ما يعتقده البعض بمضايقتهم للناس العاديون ، إلا أننى أرى أنها أسمى مهنة .. »



و وفر له العمل المأوى و إحتياجاته الأساسية ..



إعتنق الإسلام بعدما تأكد معلمه الدينى فى قسم ( العناصر الخاصة ) من عدم وجود أى رسم لصليب أولاً على جسده ..



حصل على دروس مكثفة ، فى التاريخ المصرى و العربى و العسكرى ، و فى اللغات و العلوم و الإقتصاد و الرياضيات ، و كأنه يحيا عمر جديد ..



دروس و دروس ساعدته عليها ذاكرته الجديدة الشرهة للمعلومات ، و النهمة للمعارف الضرورية و الزائدة ..



مرت كل حياته الجديدة التى لا تخطر على البال أمام عينيه ، منذ هروبه من المستشفى ، و حتى أنهى فترة مدرسة القسم ، و اضطر للإكتفاء بهذا الملخص ، عندما قال له مدير القسم :

- أدخل .



خطا برهبة لمكتب المدير ، عالماً أنه فى طريقه لتسلم أولى مهامه الرسمية على الإطلاق ، و عندما أدى التحية و أشار له المدير بالجلوس ، قال الرجل الذى كان السيد ( رشاد ) نفسه :

- اسمك الجديد الذى اخترته بنفسك ( نادر ) ، و أعتقد أنك كنت تقصد المعنى الحرفى ، أليس كذلك ؟



قال الشاب فى إحترام كبير :

- هذا صحيح سيدى قبل أن أعرف أن الإسم منتشر بشكل طبيعى .



ابتسم المدير فى إعجاب بذلك التأقلم الذى وصله الشاب ، ثم عاد يمسك تلك الأوراق الرسمية ، التى شغلته هذا اليوم و قال :

- راعى القسم تحت شعار الأسرة الواحدة ، حالتك فور انضمامك الإستثنائى لنا ، و تم توفير المعلمين المناسبين ، لتلقينك الخبرات الأساسية ، و تدريبك جيداً .. و أشاد مدربيك و معلميك على السواء ، بخاصية إمتصاص الألم و بذاكرتك الجديدة و سرعة تعلمك ، اللتان قلصتا كثيراً برنامج إعادة تأهيلك القتالى ، و العلمى ، و النفسى ، و حتى الثقافى ، و اختزلته من عام كما كان مدروساً ، الى عشرة أشهر ، هل من تعقيب ما ؟



أشار ( نادر ) بسبابته قائلاً فى إهتمام :

- فقط الشق النفسى الفسيولوجى يعانى من قصور خفى ، نبهنى اليه طبيبى الجراحى السابق ، شرحته لطبيبى الحالى .. و هو التفجر الإنفعالى .



قال المدير بجدية ، و هو يضع الأوراق و يتراجع بظهره فى مقعده الوثير :

- حتى يحدث شئ كهذا ، سنجد حينها وسيلة لمعالجته و منع خطورته ، الآن لا تأبه إلا لأولى مهامك .



انتبه اليه ( نادر ) تماماً ، فبلل المدير شفته السفلى و قال :

- ستكون ضمن نخبة ممتازة من ضباط قسم ( العناصر الخاصة ) .. و نظراً لحساسية المهمة سأترك قائدك فى الفريق ليشرح لك دورك ، و طبيعة مهمتك .



« طبيعة عنيفة » ..



قالها ( رءوف ) قائد ( نادر ) لهذا الأخير ، و أشار لعدة عناصر من ضباط القسم ، بداخل سيارة العمليات الخاصة التى تنطلق بهم ، و قال بود :

- لكن أولا دعنى أعرفك على زملائك الثلاثة ، الأقدم منك فى القسم .



بدأ بذلك الشاب حاد النظرات ، قصير الشعر ، ماكر الملامح أو ذكيها قائلاً :

- ( سمير ) رجل خارق رغم أنه يمكنك إسقاطه بلكمة واحدة ، لكن عندما تعرف أنه مهندس جينات وراثية كما تقول هويته ، لكنه يبرع فى ستة علوم أخرى ، كالتطبيب ، و الرياضيات ، و أنظمة الأمن و الإنذار .. ستعرف لما هو خارق .



صافح ( سمير ) ( نادر ) قائلاً بإبتسامة متواضعة :

- لكننى أحب الإسباجتى و الجولف و الأفلام اليابانية كأى بشرى عادى .



بادله ( نادر ) الإبتسامة و ( رءوف ) يشير الى العنصر الثانى ، تلك الرشيقة التى ترتدى العوينات ، و تحمل حاسباً نحيلاً ، قائلاً :

- هذه ( ماجدة ) .. إختر أنت لقباً بين دكتورة أو مقدم .. كانت ضمن البوليس النسائى السرى ، حتى حصلت على دكتوراه نادرة فى قراءة الأفكار ، و أخرى فى التخطيط العسكرى المبنى على القواعد العلمية .. لا تقلق فقد أقسمت على عدم قراءة أفكار الزملاء و القادة إلا بتصريح أمنى خاص .



صافحها قائلاً فى إحترام :

- تشرفنا .



لوحت ضاحكة و هى تقول :

- بالنسبة لموضوع الألقاب لا تشغل بالك فأنا أمقتها على أى حال .



إنتقل ( رءوف ) الى العنصر الثالث ، و كانت فاتنة للغاية ، و قال بإقتضاب :

- أخيراً ( هالة ) ، و لها عدة قدرات مميزة .



صافحته و هو يتسائل فى نفسه عن إختصاره ، و عن كنه تلك القدرات التى لا يشى بها جسدها الضئيل ، و ملامحها الأنثوية الناعمة ، رغم شعرها القصير ، الذى لا يتجاوز شحمتى أذنيها ..



لكن ( رءوف ) انتشله من علامات الإستفهام التى حاصرته ، قائلاً و هو يقود سيارة العمليات بنفسه :

- الآن سيشاركك الفريق فى الإستماع للمهمة لأول مرة ، فى الواقع هى تتعلق بالدكتور ( فخرى وحيد ) العالم العبقرى الشهير ، الذى جمع بين ثلاث تخصصات صعبة و هامة ، علوم الكمبيوتر ، الإلكترونيات الحيوية ، علم الذبذبات .. كان الرجل واجهة مشرفة لـ ( مصر ) بالفعل حتى أصابه ما أصابه .



شحذ ( نادر ) حواسه و ذاكرته المتفوقة ، و قائده يدور بالسيارة حول ميدان ( التحرير ) المحدث فى ذلك الزمن ، و يستطرد :

- فجأة .. و بعد إعتزاله العالم لنحو ستة أشهر كاملة ، أعلن عبر الإنترنت ، أنه فهم سر العودة بعد الموت .. من الشيطان .



تشبعوا بالدهشة و الإستنكار و هو يردف :

- كان هذا غير مقبول على الإطلاق من رجل علم فى مكانته ، مما حمل السلطات العلمية على إجباره على الخضوع لإختبار نفسى للتحقق من سلامة قواه العقلية ، مر منه الرجل بجدارة ، لكنه لم يمر من شئ آخر .



قال ( سمير ) مضيقاً عيناه :

- يمكننى استنتاج ما حدث بعدها ، ما لم يمر منه هذه المرة تشكيك الوسط العلمى فى عقليته ، و عدم استطاعته الشعور بإحترام العلماء الجادين له و لأبحاثه .



مط ( رءوف ) شفته السفلى فى أسف ، و أجابه :

- ليت الأمر اقتصر على التشكيك و الإزدراء ، لقد طرد الرجل من المؤسسة العلمية التى كان يعمل بها ، و لم تقبله أى جهة أخرى سواء بالداخل أو الخارج ، مما سبب له صدمة و إختلال ثقة بالمجتمع ، فإنقطعت أخباره التى كانت ملء الأسماع فى الدوريات العلمية ، و ذلك لنحو عام و نصف .



توقف ببساطة و إلتزام فى إشارة مرورية إلكترونية ، رغم خلاء الطريق أمامه ، و قال بإهتمام أكبر :

- فى تلك الفترة كانت إحدى الإدارات التابعة لوزارة الدفاع ، تعانى من مشكلة أمنية نادرة الحدوث ، حيث ظلت طوال هذا العام و النصف تحاول حل شفرة خزينة أسلحة متطورة ، أصيبت بتلف فنى لا يحدث إلا مرة فى المليار ، و ذلك للإفراج عن قنبلة عسكرية خاصة .. حتى فوجئ المسئولين ذات فجر تلا هذا العام و النصف ، بالخزينة الحديثة مفتوحة دون خدش .



تحرك بسيارة العمليات و ( نادر ) يقول :

- دعنى أخمن أنا .. لم يجدوا القنبلة .



ارتفعت حواجب ( سمير ) و ( ماجدة ) مع بقاء ( هالة ) هادئة ، و ذلك عندما أيده ( رءوف ) بنبرة إعجاب :

- بالضبط يا ( نادر ) .. و وجدوا مكانها بطاقة أنيقة ، تقول كلماتها المطبوعة : « معذرة وجدت أنكم عاجزين عن فتحها ، و لحسن الحظ وجدت مكافأتى داخلها .. سيد العلماء الدكتور ( فخرى وحيد ) » .



التقط نفسه و هو يتوقف عند بقعة على أطراف العاصمة ، و أكمل شرحه للمهمة :

- واضح أن الرجل يسعى للإنتقام ، نحن الآن بالقرب من آخر هدف يحتمل أن يتواجد فيه رجلنا ، حسب التحريات و أقوال شهود العيان .. قبل أن أخبركم بالخطوة التالية لابد أن تتذكروا هذا السؤال المطروح حالياً : لو كان الدكتور ( فخرى ) يسعى للإنتقام ، فإلى من سيوجه ضربته ؟



و بدأوا فى خوض المهمة ، حريصين على جعل السؤال موضع بحث دائم ..



من ؟!



*    *    *



تعليقات

المشاركات الشائعة