الفصل الثانى: قنبلة .. تضليل

رجل فوق الألم





2- قنبلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





تضليل .. Misleading         

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







الذكاء مهما تجلى لا يمكنه منع القدر ..



*    *    *



موتيل ( الإسكندر ) على أطراف ( القاهرة ) .. 4 سبتمبر .. السابعة مساءً ..





« سقطت يا دكتور ( فخرى ) » ..



تراجع الدكتور ( فخرى ) فى شراسة أمام دستة من رجال أمن الدولة ، قائلاً لصاحب الصوت الصارم :

- « كلا .. أنتم من ستدهسهم أقدام عبقريتى ، أنتم من ستدفعون الثمن » .



كان يلوح بقنبلة خاصة فى يمينه .. و الصوت الصارم الذى لا يرحم يواصل :

- « لا فائدة يا دكتور ( فخرى ) مما تفعله ، سنحصل على القنبلة التى سرقتها ثم ستعاقب ، أنت الآن فى مأزق حقيقى .. مأزق حقيقى .. حقيقى .. » .



ترددت كلمته الأخيرة و تعاظمت ، حتى غطى دويها كل شئ ، فصرخ بأقصى ما أوتى من قوة ليبلغهم صوته :

- « خطأ .. خطأ .. سأنسفكم نسفاً أيها الأغبياء ، سأسحق الجميع .. الجميع » .



إنتبه فجأة الى أزيز يصدر من القنبلة التى ما تزال فى يده ، فحدق فيها فى رعب قوى ، صارخاً بإرتياع مذهول :

- « لا .. ليس أنااااااااا » !



و تفجرت القنبلة ..



على نحو عجيب ..



و رهيب ..



ثم إعتدل هو جالساً على فراشه ..



و أدرك على الفور أن هذا كان كابوساً جديداً ، كادت أن تصعد معه روحه الى السماء ، و بعدما فارقه ذعره انتبه الى حقيقة جعلته يصفو ، و يستعيد ثقته قائلاً بصوته الأجش :

- نعم .. لا داعى للقلق ، حتى لو مت .. سأعود .. حتماً سأعود .



ثم نهض فى عجالة ، و بنشاط وافر يتناقض مع سنوات عمره ، التى تجاوزت الخمسين ببضع سنوات ، و تفقد ممر الغرف ، و الشارع الضيق الذى تطل عليه نافذة الموتيل ، ثم سلم الحريق المجاور لنافذته ، ثم بدأ عمله الذى جاء من أجله الموتيل ..



« لا نعلم بأى غرفة هو لحجزه بإسم مستعار ، لذا فأدواركم كالتالى » .



ثم راح ( رءوف ) يوزع المهام على فريقه لإحكام حصار النزل الصغير ، و بدأ الكل يستعيد ذاكرة تدريباته على القتال اليدوى الخاطف ، و استخدام الأسلحة الخفيفة ..



كان ( سمير ) و ( ماجدة ) يفحصان غرف الطابق الثانى ، و قد حفظا صورة و هيئة الدكتور ( فخرى ) عن ظهر قلب ، بينما ( نادر ) و ( رءوف ) موكلان بالطابق الثالث و السطح ، تاركين ( هالة ) لمداخل الموتيل و الإستقبال ..



« إننى موقن بأنه مكان انتقالى ، مثله لا ريب أن له مختبره السرى الخاص » كان ( سمير ) يفكر ..



« علينا ألا ندع له فرصة الإفلات » ( ماجدة ) ..

« لا ينبغى إصابته فى مقتل قبل معرفة مكان القنبلة ، أتمنى أن يظل الجميع متذكرين هذا » هذا ( رءوف ) ..



فى الوقت الذى كان فيه ( نادر ) يرصد كل شئ ثابت و متحرك ، و عبر إحدى نوافذ الموتيل المطلة على الشارع الضيق ، لمح ذلك الظل الذى صنعه ضوء القمر ..



فى نفس اللحظة تقريباً التى أتاهم فيها جميعاً إتصال ( هالة ) ، عبر أجهزة الإتصال الخفيفة حول رءوسهم :

- شخص له نفس حجم الهدف ، يقفز الى المبنى المقابل جهة الشرق .



قال لها ( رءوف ) بلهجة آمرة :

- قد تكون عملية تمويهية ، إبقى كما أنت يا ( هالة ) ، طارده يا ( سمير ) أنت و ( ماجدة ) و اقبضا عليه .



ثم التفت الى ( نادر ) قائلاً :

- سأهبط مكانهما للسيطرة على الطابق الثانى ، و انتهى أنت من هنا و من السطح ثم الحق بى .. هيا بسرعة .



و انفصل عنه بسرعة فهد ، و صرامة أسد ، بينما راح ( نادر ) يطرق أبواب الغرف ، مبرزاً شارته الأمنية لإستكشاف المقيمين ، محذراً من عدم مغادرة الغرف حالياً ، و ..!



« ثلاثة رجال بحجم الهدف يخرجون من باب الموتيل الرئيسى ، و الخلفى ، و من المرآب » كانت هذه ( هالة ) بثبات إنفعالى كبير ، فقال لها ( رءوف ) و هو يعدو بسرعة الصاروخ :

- إنها كما توقعت .. خطة تمويهية للطوارئ لتضليلنا بإستخدام مأجورين ، و توزيعنا على أهداف زائفة .. سأطارد انا الأول ، و أنت يا ( هالة ) خلف الثانى ، و اذهب يا ( نادر ) خلف المغادر من المرآب .. الآن .



وصل الى الشارع مع نهاية حديثه ، و لمح طريدته تختفى وراء ناصية بعيدة ، فطارده دون توقف ، بينما تبعت ( هالة ) رجلها كظله كونها الأقرب الى الشارع ..



أما ( نادر ) فقد شعر أنه يتباطئ فى مغادرة الموتيل ، و أنه رغم تباطؤه ينفذ أمر قائده ، و هو يتجه الى إحدى النوافذ ، و يلقى نظرة على سلم الحريق ، دون أن يدرى بالتحديد ما الذى دفعه الى هذا ، و ..!



و انعقد حاجباه فى شدة عندما لمحه فى الظلام ..



شخص خامس لم يسارع بالفرار ، بنفس طول و عرض الهدف ، يتسلق السلم الحديدى الملتصق بالمبنى ، هابطاً ببطء ..



و للحظة تذكر قسمه فى بداية التحاقه بالقسم ، الخاص بطاعة الرؤساء مهما كان الأمر ، خاصة وقت المهام ، و مطاردة الهارب من المرآب ، و لكن ماذا لو كان هذا هو الدكتور ( فخرى ) الحقيقى ؟!



ماذا لو ؟!



و اتخذ قراره النهائى ..



« الحمقى » .



قالها الدكتور ( فخرى وحيد ) و هو يغوص فى محطة الوقود القديمة المواجهة للموتيل ، ثم يتجاوزها الى شارع آخر ، مواصلاً فى سخرية :

- لقد اتبعوا آثارى التى تركتها عامداً حرفياً ، لكنهم للأسف لم يصلوا لذكاء سيد العباقرة الكافى بعد ليتغلبوا على خطة تضليل بسيطة كهذه .



كان يفتح باب سيارته العتيقة التى تعمل ببنزين 95 القديم ، عندما آتاه ذلك الصوت الصارم الحازم من وراءه :

- ربما ليسوا الى هذا الحد من الغباء .



التفت الدكتور ( فخرى ) فى بطء عصبى ، ليطالعه ( نادر ) و من خلفه قرص البدر ، يلقى على جسده كله ظلالاً مبهمة ، و هو مستند بكتفه القوى الى جدار المحطة ، و قد عقد ساعديه بثقة ، فتماسك بخبرة و قال بصوته الخشن :

- لست أعلم كيف انتقيتنى ، و لكن لا بأس .. إننى أشجع الجيل الجديد .



قال ( نادر ) بنفس حزمه الواثق :

- لا فائدة يا دكتور ( فخرى ) مما تفعله .. أنت الآن فى مأزق حقيقى .



قفزت عصبية و بهوت الدنيا الى وجه و عقل الدكتور ( فخرى ) ، مع تفوه ( نادر ) بنفس عبارة كابوسه المزعج ، فإزداد صوته خشونة ، و هو يهتف فى غضب :

- أنت لا تلقى هذا الآن على مسامعى ! و الآن سأعلمك ألا تعقد ساعديك أمام رجل مسلح و غاضب .



قالها و هو ينافس رعاء البقر القدامى فى سرعة التقاط مسدساً قوياً ، صوبه مباشرة الى الرأس ، و أطلق النار ..



كان ( نادر ) يتوقع هذا المقتل ، فرفع ساعده بسرعة ، و تلقى الرصاصة فى لحم الساعد ..



ببساطة مذهلة ..



ثم استغل تعجب الدكتور الذى وصل للذروة ، و باغته بإنقضاضة عنيفة ، أفقده معها سلاحه ، لكن الدكتور ( فخرى ) لم يعلن استسلامه بسرعة ، أو يرتجف ذعراً ، لقد تماسك بسرعة كعادته فى استيعاب المفاجآت ، لتصبح المفاجأة من نصيب ( نادر ) ، عندما هوى عليه الكهل بضربة مرفق عجيبة القوة فى صدره ، لم يشعر ( نادر ) بقوتها من الألم ، لكن من اندفاعه للوراء متران تقريباً ، و بخفة قرد ( بابون ) وثب الدكتور الى مقعد القيادة ، و أدار المحرك و هو يضغط دواسة الوقود بكل قوته ..



و قفز ( نادر ) بدوره ، و تعلق بباب السيارة المكشوفة بيد ، قابضاً بالأخرى على ياقة معطف العالم ، الذى هتف بحنق :

- اللعنة !



ثم ضرب يده المتشبثة بالباب ، متعجباً من إحتمال الشاب لهذه الضربات ، و من قبل الرصاصة فى ساعده ، و رغم إنحراف السيارة يمنة و يسرى فى قوة ، إلا أن ( نادر ) أبى أن يفلت الباب أو معطف العالم ، الذى صاح فيه غاضباً :

- يا لك من عنيد .. اذهب الى الجحيم .



ثم أقدم على حركة مباغتة ، عندما خلص ذراعيه من المعطف نفسه ، فى نفس الوقت الذى فتح فيه الباب ، فطار جسد ( نادر ) محاولاً التشبث بأطراف أصابعه فى الباب فقط الآن ، لولا إنحراف العالم متعمداً نحو عامود إنارة ، أطاح بجسد ( نادر ) لتنفصل أصابعه العنيدة أخيراً عن السيارة ، و يتدحرج فى عنف على قارعة الطريق ، لكنه انتزع مسدسه الرسمى رغم هذا ، و أطلق ستة رصاصات نحو السيارة المبتعدة بسرعة جنونية ، تسببت العاصفة الترابية التى خلفتها فى جعل الطلقات تذهب هباءاً ، قبل أن تختفى السشيارة فى منعطف بعيد ..



هنا فقط انتبه ( نادر ) الى هتاف ( رءوف ) المتكرر عبر جهاز الإتصال ، الذى تدلى من عنف القتال على عنقه ، فعاد يثبته و يجده يقول بقلق :

- ( نادر ) .. أجبنى يا رجل أين أنت ؟!



قال له بلا أية إنفعالات :

- أنا فى الطريق الى سيارة العمليات .. بمفردى .



*    *    *



 الجزء الأول:
الجزء الثانى:


تعليقات

المشاركات الشائعة