إرادة مبارك

 

أيها المواطنون لن تنتصروا علىّ

 

 

عندما خرجنا لمليونة ( إنقاذ الثورة ) باليوم الأول من ( أبريل ) ، ارتجفت ذيول النظام و ارتعدت فرائص أذنابه الكثيرة ، لقد شعروا وقتها أن كل شئ عملوه بعد خلع ( مبارك ) مهدد بالزوال ، و أن ضرب الشعب على المستوى الطائفى – حادثة ( صول ) و تحريك السلفيين – يبوء بالفشل الذريع ، خاصة مع تنبه الثوار للتباطؤ فى محاكمة ( مبارك ) و الدائرة الضيقة المحيطة به على رأس السلطة المزاحة ، و أصيبوا بهلع ما بعده هلع بعدما اعتقدوا أن يقظتنا محدودة ، ستتوقف بسلبية و نسيان كعهد النسخة السابقة من الشعب المصرى التى يعتقدونها خانعة بينما هى فقط كانت صبورة ..

 

كانوا يبذلون قصارى جهدهم لإلغاء الإعتصام و التظاهر فى ميدان الحرية ، ( تحرير ) مصر و ملاذ مريدوا الشهادة الحقيقية ، و ارتاحوا كثيرا مع نهايات ( مارس ) خاصة بعد صدور قانون تجريم الإعتصامات و التظاهر نسبيا ، و تعلقوا بأمل زائف و هو عدم توافد الناس الى ميدانهم ميدان التحرر بعد انطلاق دعوات جمعة انقاذ الثورة أول ( أبريل ) ، لكنهم فوجئوا بامتلاء الميدان عن آخره حتى فاض فى الشوارع الجانبية و تحت الأرض فى أنفاق المترو ، و فوجئوا ويكأن الثورة قد عادت و بأشد مما كانت ..

وضعوا أيديهم على قلوبهم ليس خوفا من أن يقتلهم الثوار أو يطلقون عليهم سلاحا ليزريا ساحقا مثلا ، بل خوفا من سلاح صوتى بحت ، ليس خوفا من خناجر بل خوفا من حناجر ، حناجر صرخت ( تغيير .. حرية .. عدالة اجتماعية ) ، و حناجر تصرخ ( يا مشير يا مشير خد أوامرك م التحرير ) .. و تمنوا حينها أن يقتصر الأمر على التظاهر على الأقل ، لولا أن بدأت دعوات الإعتصام فى قلب الميدان ..

فى ميدان الشعب ..

هنا بدأوا يشعرون بالغضب و بأن كل ما أقدموا عليه من فرقة و وقيعة و دس و تلفيق للتهم أصبح هشيما تذروه الرياح ، و قرروا انهاء ثقة الشعب بالمؤسسة العسكرية نفسها استغلالا لفساد بعض قادتها ، و استغلالا لجهل العديدين بالفارق الكبير بين المؤسسة العسكرية كقوات مسلحة و أكثر من مليون مقاتل و تشكيلات نظامية و خطط حربية متقنة و دورات تدريبية لا نهائية و مناورات عسكرية دولية ، و بين حفنة من الرجال يقودون و لا يحكمون و سنة الحياة فيهم أنهم يتغيرون بينما تظل المؤسسة بأركانها و نظمها و هيكلها القيادى المعتاد ، استغلالا لجهل الناس بالفارق بين الجيش كمنظومة و بين المجلس العسكرى كرأس للمنظومة ، دمجوا الإثنين فى واحد ليشعر الناس أن سقوط المشير يعنى سقوط الجيش بأكمله و بالتالى سقوط الدولة !

نفس لعبة ( مبارك ) الشهيرة .. ( الرئيس = مصر ) و ( الرئيس = الإستقرار ) و هى لعبة مفضوحة و ساذجة بقليل من التمحيص و لكنها انطلت على الكثيرين للأسف و ما تزال .. لعبة حقيرة لشق الإجماع الوطنى ؛ فهذا الربط الممجوج بين رأس النظام الحاكم و البلد كلها أوصلنا لحال غير الحال ، و أرجعنا لنغمة ( اخلاء الميدان ) النشاز التى لا معنى لها على الإطلاق إلا تكميم الأفواه و إجهاض الثورة و قمع حرية التعبير التى يكفلها كل قانون وضعى ظهر فى العصر الحديث .. و لم يعد هناك من شئ لدى هؤلاء الفلول – و هو مصطلح استخدمه المجلس العسكرى ذاته – سوى انتظار فرقعة إعلامية لتحثهم أكثر و تستنفرهم أكثر و أكثر ضدنا ، ليستميلوا أكبر عدد من حزب الصامتين ..

هكذا .. و فى الجمعة التالية ( جمعة المحاكمة و التطهير ) لإجراء محاكمة شعبية لـ ( مبارك ) و نظامه الحر الطليق ، تدفق الملايين و صاحوا من قلوبهم وراء الشيخ ( جبريل ) منغم الصوت ( اللهم احمى مصر .. آمين ) لترتج جنبات الميدان الهائل ، و نصبوا اللافتات العريضة استعدادا لإعتصام و لو محدود بالمئات و ليس الآلاف ، و لكن مع دخول وقت حظر التجول – صباح السبت – دخلت قوات متنوعة من الجيش و الشرطة للميدان ، و أخلته بالقوة مما تسبب فى وفاة متظاهر على الأقل فى أخطر تطور منذ موقعة ( البغل و الجمل ) و إصابة العشرات ..

و فى اليوم التالى الأحد 10 أبريل حدث المتوقع ..

الفرقعة الإعلامية ..

لقد خرج علينا ( مبارك ) بنفسه عبر كلمة صوتية مسجلة تشبه تسجيلات ( بن لادن ) و ( الظواهرى ) أذاعتها أشهر الفضائيات و هى ( العربية ) ، ليكرر نيته و وعيده بشأن مقاضاة من يشككون فى أرقام ثروته ، و هو هنا يتحدث بشكل غريب للغاية ، فهل سيقاضى الحكومة السويسرية التى جمدت أرصدته لديها بعد ساعة واحدة من خطاب التنحى ؟ هل سيقاضى ( هيلارى كلينتون ) أعلى مصدر رسمى للسياسة الخارجية الأمريكية التى قالت أن أمواله فى ( أمريكا ) وحدها بالبلايين ؟ بالطبع لا .. هو يهدد بمقاضاة المصادر الداخلية التى ذكرت هذه المعلومات الموثقة عن ثرواته بالخارج ، و لم تنصاع لكلامه الذى يحدد أن ثروته داخل ( مصر ) فقط ..

هل خرج ليمن علينا للمرة المائة بأنه قضى عمره و أفنى شبابه فى خدمة بلده عسكريا و سياسيا كما قال ؟ بالتأكيد ليس هذا سبب اختياره لهذا التوقيت تحديدا ليذكر الناس بتاريخه الذى أساء هو شخصيا له ، بعدم تركه للسطلة بعد دورتين كما وعد بلسانه ..

هل يعتقد أنه مازال فى منصبه ليخاطب الشعب كما تظهر عباراته العاطفية ( الإخوة و الأخوات أبناء شعب مصر ) ؟ أيضا هذا مستبعد رغم أنه مستفز فى كلمته الرابعة منذ اندلاع الثورة ..

إذن لماذا قال ما قال فى هذا التوقيت الحساس تحديدا و بعد حادث ( التحرير ) أو كما يسميها أحد أصدقائى ( موقعة المشير ) مباشرة ؟ هل لإلهاء الناس عن كارثة ما قام بها الجيش ، و تورط مشين قام به رجاله ؟ لماذا ركز على الأموال و العقارات و لم يتطرق لأهم مشاكلنا معه و هى الإتهامات العديدة بالفساد السياسى الذى أغرق ( مصر ) كلها فى حالة مؤسفة من التدهور و الإنحطاط الإدارى و الإقتصادى و التردى القومى و المعرفى ؟ و هل عندما تحدث عن أرصدة البنوك و العقارات تطرق الى السندات و الأسهم ؟ لماذا لم يتطرق للشراكة فى المؤسسات الصناعية و التجارية ، و الأهم تكتيل الأموال فى شكل معادن نفيسة ( نموذج بن على ) ؟

( مبارك ) لم يتحدث أيضا عن استدعائه للتحقيق على يد محضر عندما رفض حرسه استلام أوراق المحضر ، بل و الأدهى فقد عرض على النائب العام أن يأتى ليحصل منه على مكاتبات تمكنه من مراسلة وزارات الخارجية لدول العالم بشأن التحقق من أرصدته كأنما لم يتم عمل هذا بالفعل ، فما كان من النائب العام إلا أن أفحمه بأن استدعاه للتحقيق هو و ابنه ( جمال ) الذى رفض من قبل الخضوع للكسب غيرالمشروع ، و ابنه ( علاء ) الذى وصمته النيابة العامة فى محاكمة ( المغربى ) بأنه ( لص ) ، و ظهر هذا الإستدعاء عقب انتهاء التسجيل الصوتى أمام كلمة ( عاجل ) كالصفعة ، حتى لا يتحجج بأنه لم يكن يشاهد التلفاز ، خاصة بعدما اكتشفنا أن سيادته كان يتابع التلفزيون المصرى العتيد فقط ..

الأمر فائق الخطورة و يجعلنى أتوقع بأقل نسبة تشاؤم حدوث كوارث الفترة القادمة بعد أن شد ( مبارك ) على أيدى فلوله و نظامه البائد ، و أعطى لهم صك التحرك بوقاحة أكبر و قد أثبت بالدليل العملى أنه لا فى غيبوبة و لا يحزنون كما أشيع من أجل التعاطف مع سيادته بلا جدوى ، فهو ظهر بسرعة ليتكلم عن الفساد المالى فقط تاركا الفساد السياسى بلا تناول ، و الأمر شبهه أحد أساتذة تحليل الخطاب بجامعة ( القاهرة ) بكما لو أن عصابة من السفاحين ذبحت عائلة بأسرها بغرض السرقة ، ثم طلبت البراءة و أيديهم ملوثة بالدماء لعدم ايجاد المسروقات !

الآن و بعد القبض على ( زكريا عزمى ) و ( أحمد نظيف ) و ( محمد ابراهيم كامل ) أحذر بشدة من تصاعد وتيرة الثورة المضادة مثل تنظيم مظاهرة تأييد بالروح للرئيس فى ميدان ( مصطفى محمود ) فى نفس اليوم بعدما كنا نسينا ( مصطفى محمود ) ، و بالتالى وتيرة الصدامات كما حدث فى ظهيرة نفس اليوم أيضا بين المؤيدين لفض الإعتصام و المعتصمين لليوم الثالث على التوالى حتى تاريخ كتابة المقال ..

أحذّر من إرادة ( مبارك ) حتى لو سجن ..

 

رابط المقال على جريدة ( الثوار ) 

http://althwar.com/2011/04/12/%D8%A5%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83/

تعليقات

المشاركات الشائعة