شيطان شعرى




الفصل الأول من الرواية القصيرة ( شيطان شعرى ) إحدى روايات و قصص مجموعة ( جبانة الأجانب ) عن دار ( أكتب ) للنشر و التوزيع ، و هى مجموعة متخصصة فى أدب الرعب المحلى ، و القصة هى الأولى من نوعها فى أدب الرعب العربى التى تتناول أسطورة شياطين الشعر الذين كانوا يوحون للشعراء العرب بأشعارهم ..

* * *

قال الشاعر ( عبيد بن أيوب ) :



و ساخرة منى و لو أن عينها رأت ما ألاقيه من الهول جُنت


أزلّ و سعلاة و غول بقفرة إذا الليل وارى الجن فيه أرنّت


(*) الأزلّ : صغير العجز ، و هى من صفات الذئب . و أرنّت الجن : صوتت .











1- شِعر



سطع مصباح آلة التصوير الحديثة على وجه الشاعر الشاب ( أمير الوسيمى ) ، و قد نجح المصور فى التقاط تلك الإبتسامة التى نشرت فيما بعد على الصفحات الأدبية المعنية ، و العديد من مواقع الإنترنت الإجتماعية و المهتمة ، بينما واصل مدير الندوة الصحفية المقامة للإحتفاء بديوان الشاعر توجيه أسئلته : (( فى معلوماتى أن كلمة ( شِعر ) مشتقة من الشَعر برأس الهامة ، و هى الشيطان عند العرب ، فهل لهذا علاقة بعنوان ديوانك الرائع ( شيطان شعرى ) ؟! )) ابتسم الشاب مستحسنا السؤال الذكى و المتخصص ، و أجاب الصحفى و الصديق ( حسن ) : (( الواقع يا ( حسن ) أن اسم الديوان بالكامل بعنوانه الفرعى ( شيطان شعرى .. شعر جاهلى فى العصر الحديث ) ، تعبير عن أصل الشعر فى رأيى ، و هو الشعر الجاهلى الذى يمتد مائتى عام على الأكثر قبل الإسلام ، و عندما شببت فى حداثتى المبكرة على أن ( الشعر ديوان العرب ) ، و فيه وقائعهم و أيامهم و تاريخهم المكتوب ، أحببت الشعر الجاهلى الأولى هذا ، و شعرت معه بألفتى المسبقة مع لغة الضاد ، هكذا استقيت الأسلوب و الألفاظ بعيدا عن غريبها و الثقيل على الأذهان ، و قررت الكتابة به متقمصا الفصاحة النابعة من قلب عروبتنا ، لكن بعيدا عن القبائل و الصحراء و عناصر البادية القديمة إلا فيما ندر ، و ذلك لعدم وجود هذا فى أيامنا تلك ، من هذا ترى أن إيمان العرب بأنه كانت هناك شياطين تلقن الشاعر شعرها ، قد يكون السبب فى تسمية الشعر شعرا ، لتهيبهم من الهامة .. الشيطان الذى يسكن الخرائب دوما )) فاجأه ( حسن ) قائلا : (( سمعنا الكثير من ديوانك ذو الفكرة الجديدة ، هلا القيت علينا من شعرك الآخر ، مما هو قبل الديوان ؟ )) ابتسم ( أمير ) ابتسامته الجذابة الهادئة و قال : (( سأقول قصيدة قصيرة عن حرب ( أكتوبر ) بمناسبة أننا فى شهر العظماء و الإنتصارات :


تحكى عنا ســيناء و الشــهود


تقـلـيـمـنـا لأظـفـار اليـهـودِ


مـن قبـل كـنا نســتعبدهم


فى أرذل الـعـمل الـمـكـدودِ


كـان مـوسى يـتـمـلـملهم


و كـبـلـنـا أيـديهـم بـقــيودِ


فى يـوم غـفـرانـهـم فـروا


مـن نــسـور جــو و أسـودِ


كانت مقدمتهم شرق السويس


و آخرهم أسيوط و سمنهودِ


قد علمت الأرض أنكم تضعضعتم


حتى ضحكت أخواتكم القرودِ ))


قالها فصفقت الأكف استملاحا ، بينما تحركت ذاكرة ( أمير ) كعادته كلما شعر بالحياء ، لترد البدايات فتتعظ النهايات ..






* * *





تذكر ( أمير ) ليالى ( اليمن ) التى لم يكن قد زارها من قبل ، ضمن حركة تنقلات والده الملحق الثقافى الدبلوماسية ، كان قد اتفق مع والده على حضور أية أمسيات و ندوات تتعلق بالشعر تحديدا ، لإحتفاظ الشعر اليمنى بالكثير من بداوة العرب الأصلية ، و لما تأخرت ندوات من هذه النوعية ، قرر اكتشاف ما يسره بنفسه ، هكذا اتجه الى بدو ( اليمن ) تحت حراسة مملة من أحد رجال أمن والده ، تحاشيا لمشاكل المتمردين اليمنيين الذين يطلق عليهم ( الحوثيون ) ..


تذكر تحديدا ذلك الحوار المدهش الذى دار بينه ، و بين الشيخ الشاعر اليمنى البدوى الذى نسى اسمه بشكل غريب ، و عندما أتى ( حسن ) على ذكر شياطين الشعر تذكر تحديدا قول الشيخ و هو يمضغ القات تلك الليلة : (( هل تعرف أيها المصرى ؟! لقد أعجبنى سعيك لمعرفة الجديد و المزيد و الغريب عن الشعر الجاهلى الرائع ، لذا فخذ هذه العجائب من عمك الشيخ اليمنى ، الذى تجاوز عمره المديد ما يعجز عن أن يحصيه محصى .. فلقد بلغ أجدادى عن جدود قبيلتنا ، أنه كان لكل شاعر من شعراء العرب الفطاحل ، شيطان من الجن يتلو عليه و يلقنه الشعر ، و لم يكن الشاعر منهم يخفى هذا ، بل يعلنه و يعلن اسم صاحبه من كلاب الجن ممن يهمس له بالشعر ، فالشاعر الشهير ( الأعشى ) شيطانه كان اسمه ( مِسحل بن أثاثة ) ، و شيطان الشاعر المعروف ( الفرزدق ) كان اسمه ( عمرو ) ، و شيطان الشاعر الفطحل ( امرئ القيس ) اسمه ( لافظ بن لاحظ ) حسبما أتذكر ، حتى شاعر النبى ( حسان بن ثابت ) قال فى صاحبه ( و لى صاحب من بنى الشيصبان ... فطورا أقول و طورا هوه ) ، و بنى ( الشيصبان ) من قبائل الجن ، يقصد أنهما يتناوبان على قول الشعر و الأبيات ، و كل هذا معروف للعرب لكن تطور الزمن جعل الإيمان بالجن يضعف شيئا فشيئاً للأسف )) ..


ابتلع ( أمير ) ريقه فى ذهول منبهر ، فهو لم يكن يعرف كل هذه المعلومات و فى زمن الإنترنت ، كما أنه اعترف لذاته أنه قبل الشيخ اليمنى ، و لو أن أحدهم أبلغه المعلومة بالأسلوب الشبابى المتبسط ، لضحك على الدعابة و اعتبرها مزحة جيدة ، و أدرك أنه انجرف بسبب التطور المادى بالفعل لقلة – إن لم يكن عدم - الإيمان بالجن ، رغم وجودهم الحقيقى المعروف فى كل الأديان و الحضارات ، و فى بطء متهيب قال (( لكن يا عماه لو أن ما تقوله صحيح ، فهنا لا يلزم أن يكون الشاعر متمكنا من صنعة الشعر )) قال الشيخ اليمنى و هو يقلب الحطب فى النار أمام الخيمة ، و قد مالت الشمس للغروب منذ ساعة واحدة (( هذا ليس شرطا ، قد يكمل أحدهما الآخر ، و قد يكون الشاعر متمكنا ، لكن الجنى يجود له أكثر فأكثر ، فتأتى الأبيات النادرة التى لا مثيل لجودتها و حسنها .. أعتقد أنك تفكر فى انحدار مستواك ، أو سوء مهارتك .. أفصح و لا تخجل )) قال ( أمير ) منكسا رأسه (( هذا حقيقى .. فرغم حبى للشعر الجاهلى ؛ إلا أن محاولاتى تبدو بالغة الرداءة ، فمما قلت مثلا :


رب كأس قد شربت فى قِـنا


و أخرى فى القاهرة و الزقازيق


تلطف قيظ شمس حامية كما


تلطف عن نفسها البطـاريق ))


تبسم الشيخ اليمنى ضاحكا فابتئس ( أمير ) ، فقال له الأول ملاطفا (( تبسم بغير سخرية و الله ، إنما إعجابا بتحويل الأسلوب الجاهلى لذكر أشياء حديثة ، و هذا و لو لم يكن متطورا جذابا ، فإنه على الأقل ابتدارا و استحداثا يمكن جعله فنّا قائما بذاته ، بل اننى أشجعك لوضع ديوان جاهلى بصبغة حديثة ، يمكن أن يحدث هذا تغييرا للمفاهيم بحق ، فقد سمعت أن الشعر آخذ فى الخفوت و التوارى فى بلد ( النيل ) و ( أحمد شوقى ) )) بثت كلمات الشيخ اليمنى فى نفس ( أمير ) أملا حقيقيا و قد شعر أنه دعما صادقا و اقتراحا ناجحا ، فقال بصدق رافعا صوته ليسمع الصحراء المظلمة كلها (( أشكرك يا سيدى و إنى لأتمنى أمنية )) ..


و رددت جنبات الصحراء المقفرة صدى أمنيته فى تلك الليلة ..


رددتها على مسامع غير مأمونة ..






* * *

لينك صفحة المجموعة القصصية ( جبانة الأجانب ) http://www.facebook.com/pages/%D8%AC%D8%A8%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A8/156307201100061



تعليقات

المشاركات الشائعة