الفصل الخامس من رواية (رجل فوق الألم) : بعد الموت


5- بعد الموت ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ













من يكون ؟!                      Who Is?!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



حينها تمتم قائلاً « اخبروا رفيقى إذا ما مت ، ألا يستخدم قدرته الخاصة إلا ضد الأوغاد ! »



*     *     *



السابعة صباحا .. 6 سبتمبر .. أحد أحياء ( السادس من أكتوبر ) الكبيرة ..



« لا أحد يعود من الموت » ..



واصل دورانه ببطء و هو يفرد كفيه بإمتداد ذراعيه ، قائلاً فى سخرية بنبراته الخشنة الجافة :

- ماذا ترى أمامك الآن ؟ .. اننى حقيقى يا صاح صدقنى ، لقد عدت من الموت لتوى ، ألم يخبروك أننى مت بعدك ؟



كانت المعطيات أمامه تشير الى صدق الرجل ، لكن ما تعلمه و عرفه أن الموت حقيقة لا جدال فيها ، فزم شفتيه ، هاتفاً بصرامة حازمة :

- أنت لست ( فخرى وحيد ) الحقيقى ، قد تكون نسخة من ملامحه و حجمه ، و حتى فى صوته و اسلوبه ، إلا أنك لست الرجل الأصلى ، الذى قتله صديقى .



لم يوقف دورانه حول مقعده ، و هو يقول فى حنان ساخر :

- يا لك من مؤمن مثالى ، و لكن عقلك ليس منطقى .



ثم توقف فجأة فى مواجهته ، على قيد بضعة سنتيمترات فحسب من وجهه ، و لفحه بأنفاس حارة قائلاً بإبتسامة شرسة :

- « ربما ليسوا الى هذا الحد من الغباء » .. أليست هذه أولى عباراتك لى ليلة أمس ؟! ألم أصبك برصاصة حينئذ فى ساعدك ، قبل أن تحصل على سترتى اللعينة ؟! .. لقد أصبت بعد ذلك طائرتكم الهليوكبتر فى مروحة الذيل تحديداً ، ثم و فى مبناكم التافه ، استطعت بقوة ما أن تلقينى بيد واحدة ، فسقطت فوق منضدة زجاجية كبيرة و حطمتها .. هل تأكدت الآن أن ( فخرى ) أمس هو ( فخرى ) اليوم .. و كل يوم ؟!



حدق ( نادر ) فى ملامحه شديدة القرب ، و هو يتساءل لما يبدو انفعاله غير طبيعى إذن كما يشعر ، طالما أنه ( فخرى وحيد ) الحقيقى ؟ لما ؟!..



إن أسلوبه يوحى بأنه على استعداد للتحاور بشأن هذه النقطة تحديداً الى الأبد ..



الأمر يحتاج لتجربة صغيرة ، للتأكد من هذا الإستنتاج الغريب الذى يلح عليه ، دار هذا كله فى عقله فى قليل من الثانية ، قبل أن يقول فى إصرار متعمد :

- و ماذا لو قلت لك : ان التفاصيل من السهل نقلها بتكنولوجيا بسيطة الى شخص آخر ، فيحفظها عن ظهر قلب و يدعيها لنفسه ؟!



اعتدل شبيه ( فخرى ) فى حدة ، و حدجه بنظرة باردة طويلة ، قبل أن تنقلب ملامحه فى بطء مخيف ، و ترتسم الوحشية على قسماته ، فينقض بقفزة خاطفة على قائم فولاذى ، يحمل أحد الأجهزة المنزلية ، و يهوى عليه بحافة يده ، فيحطمه بقوة عجيبة ، دون أن يصاب كفه بأدنى أذى ، ليسقط الجهاز و يتحطم بدوى حاد ..



ثم اتجه نحوه قائلاً بصوت غليظ شرس :

- ( فخرى ) الذى واجهته أمس ، كسرت له ضلعين ، و سببت له ألماً مريعاً ، أراد معه قتلك مائة مرة على الأقل .. و لأثبت لك أننى هو بشحمه و لحمه ، سأجعلك توقن من هذا تماماً .



ثم رفع يده رهيبة القوة عالياً ، و استعد ليهوى بها على عنقه ، قائلاً فى وحشية :

- فى العالم الآخر .



و أدرك ( نادر ) فى سرعة عصبية ، أنه أشعل فتيله دون أن يقصد ، و بقوته الجديدة الغريبة هذه ، سوف يقتله حتماً ..



شر قتلة ..



لا مفر ..



و لكن ..



توقفت يد الرجل بغتة فى الهواء ، على مسافة ضئيلة من جانب عنقه ، ثم التفت برأسه الى الخلف ، كأنما تلقى تحذيراً خفياً ، قبل أن يبتعد عنه على عجل ، قائلاً فى غضب :

- يبدو أن رفاقك الأغبياء قد تبعوك أيها الأحمق .



لم يدر ( نادر ) كيف نجا قبل ثوان من هلاكه ، و لا كيف شعر هو بأى جهاز إنذار ضد التسلل تفيد بإقتراب الإمداد الذى طلبه ، و بدا الرجل للحظة و كأنه سيغادر المكان كله ، لولا أن توقف دفعة واحدة ، و استدار يواجهه بنظرة شاردة ، يعلوها حاجبين منعقدين ، و تأمله على نحو عجيب فى هذا التوقيت ، و كأنما يراه لأول مرة ، قبل أن تنفرج شفتاه ، قائلاً :

- مهلاً .. اننى لم أعلم باسمك حتى الآن !



ارتفع حاجبا ( نادر ) فى دهشة حقيقية ، ثم قال بحيرة حاول تغليفها بالتهكم :

- أهذا هو الشئ الوحيد الذى لفت انتباهك ؟!



القى شبيه دكتور ( فخرى ) نظرة متوترة الى الخارج ، قبل أن يعود اليه ببصره ، و يمط شفتيه قائلاً بلهجة ملؤها المقت ، متراجعاً الى الخارج بظهره :

- اللعنة .. لقد تذكرتك الآن .



و توقف العالم كله بالنسبة الى ( نادر ) مع عبارة الرجل ..



تجمد الزمن ..



تجمد دون أدنى تشبيه أو استعارة لغوية ..



كل شئ تخشب كالتماثيل الشمع ، أو كصورة سنيمائية على شاشة عرض ، ثم توقيفها مرة واحدة ..



شبيه ( فخرى ) و هو يتراجع ، عازما على مغادرة المبنى ..



أوراق الشجرة خارج المبنى كفت عن التمايل مع الهواء ..



حتى نظرة المقت الكريهة ، و ملامح الرجل الشرسة ، تثبتت كصورة فوتوغرافية تم التقاطها عنوة ..



لكن الأغرب فى ذلك الموقف الغير طبيعى ، شعور ( نادر ) نفسه ..



انه لم يبد دهشته أو تساؤلاته عن توقف الزمن الخياى و المفاجئ هذا ، و كأنه أصبح فى عالم خاص منذ أدرك أنه فقد ذاكرته ، اعتاد الزمن فيه على الجمود هكذا دون سابق إنذار ..



كل ما دار بخلده و أثاره فى هذه اللحظة ، أن ( فخرى ) كان يبتعد بعد أن ألقى قنبلة شديدة التفجير ..



« لقد تذكرتك الآن » .



إذن فأخيراً و بعد خمسة أشهر من حياته الجديدة ، كاد اليأس أن يتسلل الى نفسه فيها ، من فقدانه حياته السابقة ، التى تلح عليه فقط برؤى و لمحات عابرة كابوسية عادة ، تبدو الآن بادرة أمل ..



أحدهم عرفه فى الماضى ..



عرف عنه شيئاً ما ..



اسمه الحقيقى ..



عمله ..



أهله ..



أصدقائه ..



صفاته الأساسية ..



أحلامه و مشاريعه ..



شيئاً واحداً على الأقل ..



عن ذاته الضائعة ..



عن حياته ..



و لكن ..



و آه من لكن هذه ..



ماذا لو كانت الأمور أسوأ مما يظنه ؟!



ماذا لو كانت الصورة بشعة ؟!



سلبية ..



مظلمة ..



ربما كان من المرتزقة ..



قاتلاً ..



حقيراً ..



شريراً ..



هل يواصل رغم هذا بحثه عن نفسه ؟!



و لما لا ؟!



لما يهرب من حقيقته ؟!



أو يفر من نفسه ؟



ليعلم كل شئ أولاً ، ثم يقيم الأمور بعدها .. إما يبقى كما هو ، أو يعود لحياته و طبيعته القديمة ..



و لماضيه مهما كانت ماهية هذا الماضى ..



ليعرف أولاً ..



و حل ( نادر ) قيده الخشبى بجذبة مزقت جلد يديه ، و نهض فى لهفة ، و ..



و تحرر الزمن هنا ..



و انتفض ( فخرى ) فى ذهول ، و هو يحملق فى ( نادر ) الذى تحرر فجأة بالنسبة اليه ، و اختفى من مقعده ، لينقض عليه ، فنفض عنه ما يعتريه ، و بادل انقضاضه بهجوم هاتفاً فى غضب :

- إذن فقد عدت لألاعيبك أيها الشيطان .



تفادى ( نادر ) هجومه لتطيش لكمة الشبيه القوية فى الهواء ، و حفظ كل كلمة نطقها ، و هو يرد عليه فى حماس صارم :

- نعم .. هل تتذكرها جيداً أيها الوغد ؟



قالها و هو يهوى بالمقعد فوق رأس الرجل ، فتلقى الشبيه المقعد النحاسى القوى على ساعده ، ليفاجأ ( نادر ) بتحطم المقعد فى عنف ، فتراجع فى حذر مدروس متلقياً لكمة قوية من الشبيه على ساعده الأيسر ، و لكن اللكمة زلزلته زلزلة ، و منعته من حفظ توازنه ، مما ساعد ( فخرى ) الجديد على أن يحمله بقوة مدهشة ، و يلقيه نحو النافذة القريبة بكل قوته ، صائحاً :

- سأعمل على أن أنساها قريباً أيها الشيطان .



طار جسد ( نادر ) المترين الفاصلين ، و كأنما قد قذفه منجنيق كبير ، و ارتطم رأس فى عنف بحافة النافذة ، ليفقد وعيه فى صمت ، ثم يخترق جسده الزجاج ، و يطير لمتر آخر ، حتى استقر جسده وسط غصون الشجرة القريبة و فروعها ..



بلا حراك ..



*     *     *



« ماذا يحدث ؟! » ..



قالتها ( ماجدة ) فى قلق وسط الظلام الذى وجدت نفسها فيه ، بعد اقترابها مع زميلاها من وكر ( فخرى ) ، فقال لها ( رءوف ) فى عصبية و سخط :

- ذلك الحقير أعد فخاً ، و لقد وطأناه لننزلق ثلاثتنا فى اسطوانة كبيرة الى تلك الحجرة ، التى أرجح أنها على عمق 3 أمتار تحت الأرض .



قال رفيقهما الثالث :

- تحتاج جدران الحجرة لصاروخ على الأقل للتغلب عليها ، ناهيك عن أنه لا توجد خلفها أية فراغات ، كما أن ارتفاع ذلك الأنبوب الزلق الذى مررنا 3 أمتار أخرى .. و هناك طبقات من الرصاص تحيط بالحجرة و تعزلها عن الإتصالات .



قال ( رءوف ) فى عصبية غاضبة :

- باختصار ذلك الوغد اسقطنا فى قبر مكعب .



قالت ( ماجدة ) فى توتر :

- و لا ألتقط أية أفكار محيطة بنا .



ثم غمغمت فى خفوت كيلا تعطى الأمر طابعا هستيريا :

- أهى النهاية ؟!



و كانت على حق فى تساؤلها الرهيب ..



هل ستكون نهايتهم ؟!



هل ؟!



*     *     *



السكون يحمل ايحاءا قويا لا يمكن التقليل من شأنه ، بصمت القبور ..



*     *     *



المقبرة              The Graveyard

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



أحدهم عرفه فى الماضى ..



عرف عنه شيئاً ما ..



شيئاً واحداً على الأقل ..



*     *      *



الثانية عشرة ظهراً .. 6 سبتمبر .. ( السادس من أكتوبر ) ..



كان ثلاثتهم قد أضاء الحجرة بمصابيح يدوية ، و راحوا يتفحصونها شبرا شبرا ، بحثا عن سبيل الهرب ، حتى جلست ( ماجدة ) أرضاً قائلة بإرهاق :

- لا يوجد أى منفذ سوى الانبوب المرتفع الزلق ، كما أننى لم التقط أية أفكار طوال تلك الساعات .



و قال الشخص الثالث بتلك اللهجة الهادئة :

- بإستخدامى لكل أجهزة الرصد التى معى ، لست أجد أيضا مخرجا سوى الانبوب ، حتى محاولة القفز و التشبث بنهايته ، ليس لها فائدة لأنه زلق أكثر من اللازم و يميل للتعامد .



القى ( رءوف ) جهاز اتصاله ، قائلا فى غضب بعدما أعيته الحيلة :

- و الإتصالات اللعينة مشوشة بشدة ، بما فيها اشارات الـ ( s o s ) الراديوية ، باهتة الى حد العدم .. كل طرق النجاة منعدمة .



توقف عن الكلام فجأة ، و التفتت العيون اليه فى الضوء الباهت المهتز لمصابيحهم ، و هو يكمل ببطء :

- باستثناء ( نادر ) ، أو ..!



قالت ( ماجدة ) و هى تقاطعه ببعض الحيرة :

- اذا كان هنا كما أكد فى اتصاله المرئى بك ، فلماذا لا ألتقط موجات عقله .. لماذا ؟



لم تكد تتم تساؤلها ، حتى سمعوا ضجة بقمة الأنبوب ، ثم صوت إنزلاق سريع ، فتراجعوا فى حذر ، و صوبوا مصابيحهم و ( رءوف ) يسمع ( ماجدة ) تهمس :

- لم أقرأ أفكار من بأعلى !



و إذا بجسد أحدهم يسقط فى عنف ، و تعرف ( رءوف ) وجهه أولا و هو يجيب تساؤل ( ماجدة ) السابق :

- لأنه فاقد الوعى .



كان السجين الجديد هو ( نادر ) ذاته ..



و بعدما أفاقوه تحسس اصابة رأسه التى التأمت بسرعة ، رغم عدم شعوره الفعلى بألمها ، و قال فى خفوت :

- يبدو أننى فقدت الوعى طويلا على يدى ذلك الوغد .



سأله ( رءوف ) فى لهفة قلقة :

- أى وغد يا ( نادر ) ؟!



اجابه و هو يتفحص وجوههم :

- شبيه ( فخرى وحيد ) .



تسائلت ( ماجدة ) صائحة :

- ماذا ؟!



اعتدل ( نادر ) فى نشاط مباغت ، متسائلا فى توتر :

- و لكن أين نحن ؟ و ما هذه المقبرة ؟!



أجابه الشخص الثالث :

- اننا فى سجن على هيئة مكعب كام ، طول أحد أضلاعه 4 أمتار ، الأنبوب منفذه الوحيد ، و نحن هنا منذ الصباح بينما هبطت أنت منذ خمسة دقائق .



انعقد حاجبا ( نادر ) عندما ذكره بالوقت الطويل الذى فقد خلاله الوعى ، و ( رءوف ) يسأله فى حيرة و اهتمام :

- و لكن كيف فقدت وعيك ؟ هل هاجمك ذلك الشبيه المزعزم ؟!



أجابه و هو يهز رأسه كأنما يزيل تعكر أفكاره :

- نعم .. و عندما أفقت فى المرة الأولى وجدتنى أمام نفس الشبيه ، و لقد حدث أمر عجيب لم أفهمه حتى الآن ، و لكنه أعاننى على التحرر و مهاجمته ، لأفاجأ باكتسابه لقوة خارقة غلبنى بها ، لأفيق بعد كل هذا الوقت بين أيديكم .



قالت ( ماجدة ) و هى تعود لإفتراش الأرض :

- أمر عجيب و قوة خارقة ! أنحن على نفس الكوكب ؟!



بينما سأله ( رءوف ) بلهفة متوترة :

- اخبرنى أكان هو ( فخرى وحيد ) بشحمه و لحمه ؟!



قال ( نادر ) ملوحا بكفه :

- كان يبدو شديد الدفاع عن اتهامه بأنه ليس ( فخرى ) ، و لكن باستثناء قوته الأكبر من اللازم ، و ثقبين بالعنق مع شحوب أقرب الى الموتى ، فهو نفس الشخص لو كان طبيعيا .



صاح ( رءوف ) متسع العينين :

- ثقبين بالعنق ؟! اللعنة ! .. أهى جثته ؟!



انعقد حاجبا ( نادر ) فى شدة ، و هو يعلم بهذا الأمر لأول مرة متسائلا :

- ماذا ؟ هل تقصد ما فهمته الآن ؟



قال ( رءوف ) ملوحا بذراعيه كلها ، بانفعال متوتر :

- نعم يا صديقى الجديد .. اقصده .. لقد ثقبت بنفسى عنقه برصاصة واحدة ، نفذت من الناحية الأخرى بعد أن حطمت قصبته الهوائية ، و أهرقت دمه كله .. و أنت لم تكن تعلم هذا ، و رغم هذا فأنت تؤكد قول العالم المجنون الخاص بعودته من الموت !



قال ( نادر ) بإيمان صارم :

- لا أحد يعود من الموت .. خاصة موت كالذى حدث لذلك القاتل نصف العبقرى و نصف المعتوه .



قالت ( ماجدة ) فى خفوت عجيب :

- عجباً ! .. اننى التقط موجات عقلية مختلفة .



بدا صوتها كأنما يأتى من أغوار بعيدة ، فتجاهلها ( رءوف ) و ( نادر ) يراه يقول له فى حنان ساخر :

- يالك من مؤمن مثالى ، و لكن عقلك ليس منطقى .



تقدم نحوه ( نادر ) فى حركة عدائية ، قائلا بغضب :

- انت الآن تتحدث مثله ، و ينبغى ان تعلم ان عقلى منطقى ربما أكثر منك .



اتسعت عينا ( رءوف ) على نحو عجيب ، و هو يرتد كالمصدوم ، قبل أن يميل تجاهه بوجهه ، قائلا فى جدية شديدة :

- ( نادر ) .. و لكننى لم أقل ان عقلك ليس منطقى !



قال الشخص الثالث بلهجة تقريرية :

- خطأ .. لقد قلت هذا .



و ايدته ( ماجدة ) قائلة :

- أنا أيضا سمعتك تقول هذا .



تراجع ( رءوف ) خطوة ، و هو يتأملهم جميعا بتوتر عجيب ، ثم قال فى انفعال حاسم :

- يا الهى .. ! لقد سيطر عليكم ذلك الوغد على نحو ما ، رغم اننا لم نختبر اية قدرات عقلية فيه !! لقد جعلكم تتخيلون هذا حتى نتشاحن فنفقد القدرة على التآزر لدحر شره .



قال ( نادر ) فى اهتمام مشوب بالتوتر :

- أتفق معك أنه هو الفاعل ، لأنها نفس العبارة التى قالها لى عندما كنت فى مبناه أنفى حقيقة عودته من الموت .. و لقد رصدت ( ماجدة ) تلك القدرة الجديدة قبل أن تتفوه بعبارتك على الفور .



قالت ( ماجدة ) فى توتر و قلق ، و هى تركز كل ذهنها :

- اننى لا أرصدها الآن .



قال ( رءوف ) ببعض الإضطراب :

- اننى أعتذر .



بدا اعتذاره بلا معنى حقيقى ، و قد أدرك أنهم لاحظوا ذلك ، فغطى ارتباكه الناشئ عن التوتر بقوله القوى :

- أريد أن أخبرك يا ( نادر ) أن الرئيس قرر قيادتنا المشتركة لهذه الجولة من المهمة ، و أنت يا ( ماجدة ) فسرى لنا ما قصدتى بقولك : أن الموجات التى التقطتها مختلفة ؟



شعر ( نادر ) بالثقة للقرار فى أول مهمة له ، و رفعت ( ماجدة ) أحد حاجبيها الجميلين و هى تجيب :

- الموجات لم تكن مشتتة كموجات العقل البشرى المعتادة ، بل كانت موجهة بدقة أكبر ، كما لو كانت تنبع من مصدر آلى ، و ليس بشرى .



سألها فى اهتمام متوتر :

- هل تقصدين الكمبيوتر ؟ هناك حواسب حديثة تقرأ الأفكار كما نعرف .



هزت كتفيها بمعنى عدم تأكدها بشكل قاطع ، و ..!



و فجأة ..!



سمعوا تلك الجلبة بقمة الأنبوب ..



الجلبة التى تشير الى أن ضيفا جديدا سينزلق اليهم .. و بدا من صوت الإنزلاق أن الزائر الجديد ثقيل للغاية ..



و صاح ( رءوف ) فى قلق رهيب :

- اللعنة ! أى شئ هذا ؟!



و مع نهاية صيحته ، سقط القادم الجديد وسطهم ، فتراجعوا رباعيتهم الى أطراف الحجرة ، ليستقر الشئ وسطهم بخبطة مدوية ..



قبل أن يهدر ..



و يهاجم ذلك الشخص الثالث ..



تحديداً ..



*     *     *

يتبع







تعليقات

المشاركات الشائعة