الفصل السادس من رواية رجل فوق الألم: آلياُ .


6- آلياً ..

ـــــــــــــــــــ















ظلام ..                                  Dark

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ



« لكنهم للأسف لم يصلوا لذكاء سيد العباقرة الكافى بعد »



*     *     *



قطعة من حديد ..



*     *     *



الثانية عشرة و الربع ظهراً .. ( السادس من أكتوبر ) ..



تركزت هالات المصابيح اليدوية الثلاثة على ذلك الشئ الكبير فى توتر ..

و تراجعت ( ماجدة ) فى رهبة و ارتياع ، و هى تهتف :

- هل .. هل قرر القضاء علينا ؟

و لم يلبث ذلك الشئ الأسود الأشبه بدبابة صغيرة ، لها ثلاثة أذرع فولاذية تنتهى اثنتان منها بخطافين كمخالب قط ضخم رهيب ، و ينتهى الثالث بكلابة قادرة على قطع الحديد ، أن أطلق هديرا قويا و هو يستدير على قاعدة من الجنزير المرن بأسفله ، نحو ذلك الشخص ..

و يتقدم ناشرا و شاهرا أذرعته الثلاث ، القادرة على تمزيق جدارا من الفولاذ البلاتينى ..

و تراجع الشخص الثالث قائلا فى مرارة :

- بمناسبة وحدة المصير ، فأود أن أخبر عضو الفريق الجديد ( نادر ) ، بطبيعتى الخاصة .

سألها ( نادر ) فى انزعاج و هى تتراجع أمام الوحش الآلى :

- أية طبيعة و لماذا انت بالذات هدف الآلة يا ( هالة ) ؟!

كشفت ( هالة ) بطنها له ، و ألقت اليه بالمصباح اليدوى ، قائلة فى توتر :

- طبيعتى الإلكترونية .

التقط ( نادر ) المصباح الذى لم تعد هى بحاجة اليه ، و شاهد بأعين متسعة بقايا تلك الإصابة التى عولجت بسرعة فى ورشة اليكترونية للآليين ، و غمغم مبهوتا :

- انك رجل آلى من الجيل البيوالكترونى !!

استل ( رءوف ) مسدسه و صوبه نحو جنازير الآلة الثقيلة قائلا :

- هذا لا يعنى انك لست صديقتنا ، و لا ينبغى الذود عنك .

استلت ( ماجدة ) مسدسها بدورها هاتفة :

- انك على حق ، انها الآلية الوحيدة التى صادقتها .

و اشتركا فى امطار الآلة المقاتلة برصاصاتهما فى سخاء ، و ذاكرة ( نادر ) الجديدة تستعيد فى لحظة مارقة ما أثارها على وهج النيران ..

« لما اختصر ( رءوف ) فى تعريف ( هالة ) ؟ و أية قدرات تلك التى لا يشى بها جسدها الضئيل ، و ملامحها الأنثوية ؟! »

« و كانت ( هالة ) موكلة بمداخل و مخارج الموتيل ! »

« هل لدينا راصدتان هنا أم ماذا ؟! »

« كانت أول من نهضت بعد السقوط من الطوافة ، و كانت سليمة تماما ، بلا أدنى جرح ! »

« كان يرى ( هالة ) تصل معه تقريبا ، و بلا أية مصابيح يدوية ! »

و لم تؤثر الرصاصات فى الآلة المدرعة ..

و هى تحاصر ( هالة ) رويدا رويدا بأحد أركان القبو المظلم ، و ( هالة ) تبتسم أمام هالات مصابيحهم قائلة فى حزن صناعى فائق التطور :

- لا فائدة .. يا من كنتم خير رفاق لى ، انها تلتقط اشاراتى الإلكترونية فى وضوح ، و ستفتك بى لا محالة .. لقد صنعت لتقاتل الروبوتات الذكية مثلى ، و تدمرها بلا هوادة أو تراجع حتى تحقق هدفها .. الى اللقاء فربما أعدتم تكوينى .

استسلمت تماما مع عدم تزويدها بوسائل و أسلحة دفاعية فعالة ، فإنقض ( نادر ) على الآلة المدمرة ، لدفعها بعيدا بقوته ، و لكنه لم يكد يلمس سطحها الخشن ، حتى سرت فى جسده طاقة كهربية لا محدودة ، أطاحت به فى عنف كما لو كانت تدفعه دفعا ..

و أمام عيونهم المتألمة انقضت الآلة القاتلة على ( هالة ) الإنسان الآلى الراصد ، و مزقتها تمزيقا فى عنف و شراسة لا نهائية ، حتى أعلنت أجهزتها إنتهاء برنامج ( هالة ) و سحقها تماما ، فإلتفتت الى باقى من فى الحجرة ..

مسحت أى نشاط اليكترونى آخر بحاجة للتفكيك ..

و عندما لم تجد بغيتها إنخفض هديرها دفعة واحدة ، و سكنت فى ذلك الركن وسط بقايا ( هالة ) كالحجر ، منتظرة ظهور أعداء جدد ..

و نهض ( نادر ) من سقطته ، و نظر الى رفيقاه المتبقيان متسائلا :

- ما تفسير الموجات العقلية الغير بشرية فى رأيكما ؟!

اتجهت عينا ( رءوف ) الى الخبيرة تلقائيا ، و التى تنحنحت قائلة :

- إننى أميل الى رأى ( رءوف ) ، الخاص بأحد الحواسيب التى تطورت عبر برنامج كمبيوتر طور عام 2009 ، حيث ابتكر باحثوا كمبيوتر و علم نفس أمريكيين حينئذ ، برنامج كمبيوتر قادر عبر التصوير بالرنين المغنطيسى على تحليل نشاط الدماغ ، و استنتاج الجهود التفكيرية المستقبلية بنسبة 90% ، و مع مرور الأعوام أصبحت قراءة الأفكار إليكترونيا فرع شديد التطور من علوم الكمبيوتر . لكن لم نعرف بعد عن القراءة الإلكترونية عن بعد .

سألها ( رءوف ) فى اهتمام عصبى ، و قد بدت له التفاصيل العلمية مشتتة لتركيزه :

- إذا كيف تسلل الى عقلى ؟ كيف ؟

اعتصروا عقولهم لتمحيص ذلك الأمر ، لعله يوصلهم لطبيعة قدرات خصمهم الذى لا ينوى قتلهم طالما يكتفى بالإحتجاز ..

و فجأة و بلا سبب أو مبرر طبيعى ، استعاد ( نادر ) واحدة من نلك الذكريات التى تنتابه من ماضيه أحيانا ..

أحدهم يتسلل عبر ممر تهوية حديث ، لا يعرف حتى ما إذا كان هو أم أحد آخر ..

رجلا يكسو الضباب ملامحه ، مزق بأسنانه شئ ما قبل أن يبصقه على جثة تحت قدميه ..

يبصق حنجرة صاحب الجثة ..

ثم مسح شفتيه و خنجره الملتوى القصير من الدماء ، و أعاده الى جرابه ..

و أغمض ( نادر ) عينيه فى قوة ، و كأنما يبعد ذهنه عن الذكريات البشعة ، و عندما فتحها تذكر فجأة شيئاً هاماً ..

لقد فقد الوعى خمسة ساعات كاملة ، أى أن ( فخرى ) يحتمل أن يكون قد دس فى ثيابه جهاز تنصت ينقل له ما يتبادلوه ..

و لكن لماذا أيضاً ؟

ما هدفه النهائى ؟ التشفى ؟

هل فكرة الإنتقام أهم من القتل ؟

أهى فكرة منقولة الى شخص مستنسخ من ( فخرى ) ؟

الإستنساخ تطور جداً حتى أنه يمكن وضع عدة صفات جديدة لم تكن موجودة فى الكائن الأساسى ، و هذا يفسر كل شئ ..

رغبته القوية لإثبات أنه ( فخرى ) ذاته البشرى ..

قوته الخارقة ..

و بدأ ( نادر ) تفتيش نفسه بعدما تبادل الإشارات مع رفيقاه بما يفسر فكرته البسيطة ..

استغرق ربع الساعة ، حتى استخرجه من كعب حذاؤه الأيمن ، فقال ( رءوف ) بصوت لم تتغير نبراته :

- حسناً لا ترهقوا أذهانكم ، ذلك العالم يريد العبث معنا ، و هذا منطقى لاكتفاؤه بعزلنا هنا .. فلنحصل على قسط من النوم ، استعدادا للساعات الغامضة القادمة .

غمغمت ( ماجدة ) فى يأس متعمد :

- هذا لو بقينا على قيد الحياة .

لم تكد تتم قولها الخادع ، حتى شعر ثلاثتهم برغبة عارمة فى النعاس ..

النعاس الحقيقى ..

و قالت ( ماجدة ) فى خوف و هى تترنح :

- إنها .. إنها نفس الموجات الكمبيوترية الشيطانية .

و بدأ ( رؤوف ) يشعر بحاجة ملحة الى سبات عميق ، و قاوم ( نادر ) بكل قوته ، خشية أن يهبط اليهم خصمهم و يقتلهم غيلة ..

و لكن موجات الكمبيوتر المخيفة ، أشعرتهم أنهم يسعون للنوم بإرادتهم ، بعد قيام البرنامج بمناورة ذكية ، خدعت عقولهم المدربة ، و أوحت لهم أن ( رءوف ) دعاهم للنوم بكامل إعتقادهم ..

و حتى آخر لحظة تثاءبوا فيها ، كانت ( ماجدة ) بالذات تحاول إقناع عقلها ، أنها لا ترغب فى النوم حقاً ، لكى .. لكى ..

و تاهت الأفكار وسط بئر حلزونى عميق و أسود ، راح يجذب وعيهم اليه كبالوعة قوية ..

هائلة ..

واثقة ..

فتخاذلت سيقانهم و أجفانهم ، و تهالكوا رويدا رويدا ..

و أظلم كل شئ ..

كل شئ ..


*     *     *





الإستثناء ..            The Exception

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ



عيوننا قد لا ترصد شيئاً .. ظاهراً ..



*     *     *



كان الظلام يحيط بـ ( نادر ) ..

من كل اتجاه ..

ظن بأن هذا بسبب انعدام أى مصدر ضوئى ..

و لكنه كان يرى نفسه جيداً ..

كان جسده بنفس تلك السترة المزرية ، مضاء بلا إضاءة ..

كما لو أنه صورة مطبوعة ، من بعد واحد وسط بيئة معتمة ..

و لنفسه قال :

- أين أنا ؟ أمازلت فى فخ ذلك الشيطانى ؟!

تلفت حوله محاولا إختراق أستار الظلام ببصره ، إلا أن المشهد ظل كما هو بظلامه المحيط ، رغم رؤياه لنفسه جيدا كأنه هو مصدر الضوء ..

حاول المشى إلا أن شيئا ما كان يجمد كيانه حتى النخاع ..

ثم قرر أن يحسم أمره و يبدأ بالتفكير العلمى السليم ، منذ آخر نقطة وصلت اليها الأحداث فى ذهنه ..

و لم يكد يتخذ قراره ، و قبل التنفيذ ، حتى ابعثت تلك الإضاءة الخافتة بأعلاه ..

فرفع بصره فى سرعة و حذر ، ليجد أن سر الظلام كما كشفه الضوء البسيط ، هو أنه فى نفق صخرى أسطوانى الشكل ، كما لو أنه فى قاع جحر أو بئر ما ..

ثم لم يلبث أن استيقظ ..

أو هكذا اعتقد و هو يرى ظلا قادما من أعلى ..

ظل لرجل يتسلق بهمة هابطا اليه ..

كان ( فخرى وحيد ) ..

و عندما بلغ المكان انحنى فى مقت بلا حدود على ( رؤوف ) صديقه المغيب ، و هو يقول بوحشية و بغض شرسان :

- لقد قتلت جسدى الأم أيها الصنديد ، من ينقذك الآن منى ؟

ثم اجتز عنقه بضربة ساحقة من حافة يده ..

و دق قلب ( نادر ) فى انفعال رهيب ، و نفس الجمود السابق يعتريه ، و يمنعه من الزود عن رفاقه ، و هما يذهبان هكذا أمام عينيه ..

و فى غضب مخيف اتجه ( فخرى ) الخارق نحو ( ماجدة ) ، و قال :

- و أنت يا لعينة الملاعين ، تسببت فى هلاكى بتتبعك الفكرى القذر لى ، فلتذهبى بدورك الى ألعن جحيم ممكن .

و ضم كلتا قبضتيه ، و هوى بهما ككتلة واحدة فوق رأسها ، ليحطم جمجمتها تماما ، فى مشهد بالغ البشاعة ..

و أدرك ( نادر ) فى هلع ، أن ذلك النوم الصناعى الذى هاجم تلافيف أمخاخهم ، هو ما يسلب إرادته و يسهل لذلك الوحش السفاح مهمته تماما ..

و حان دوره ..

و برؤية شبه معتمة ، تتموج و كأنها تحت سطح بحر عنيف ، شاهد ( نادر ) وجه خصمه الغاضب البغيض يدنو من عيناه ، و أنفاسه الممجوجة ترتطم بوجهه ، و صوته الأجش الممقوت يغزو أذنيه قائلا فى وحشية كريهة :

- آها ! مرحى بأغرب شيطان قابلته فى حياتى قاطبة ، أرى أنك الوحيد الذى يقاتل لإستعادة وعيه ، بعينيك شبه المفتوحتين هاتين .. أراهن أنك ترانى بصعوبة لكنك تعى ما يحدث جيدا ، آن أوان التخلص من عبثك العجيب فى هذا العالم على الأقل ، لكنى أمنحك فرصة لتواصله مع شياطين الجحيم ، هل رأيت عدلا أشمل من هذا قط ؟!

ثم رفع قدمه البالغة القوة الى ارتفاعها ، ليتمكن من سحق صدره كثمرة قرع فاسدة ، و ..

و انتهى كل شئ ..



*     *     *



فتح ( نادر ) عيناه مجدداً ..

فعل لذلك بهدوء و دعة ..

كان ما يزال فى تلك الغرفة القبر ..

و كان على يمينه ( رؤوف ) ، و على يساره ( ماجدة ) ، و ثلاثتهم أحياء يرزقون ..

مقيدين ..

و مستيقظين ..

و مزق ( رؤوف ) جدار الصمت ، قائلا فى سخط :

- لقد قيدنا ذلك الوغد ، و تركنا جوعى و عطشى .

بينما غمغمت ( ماجدة ) :

- يبدو أننا استيقظنا معاً .

زفر ( نادر ) فى عمق ، مغمغما :

- و من يبالى .. المهم أننى استيقظت و استرحت .

التفتت ( ماجدة ) الى ( رؤوف ) فجأة ، و حاجبيها معقودان فى تفكير ، و بدت أنها ستقول شئ ما ، و لكنها آثرت الصمت ، فأثار هذا ( رؤوف ) الذى سألها فى اهتمام عصبى :

- كنت ستقولين شيئا ؟



قالت و هى تنهض بصعوبة بسبب قيود معصميها وراء ظهرها :

- فى الواقع كنت أريد أن أسألك ، ما الإستثناء الثانى ؟!

انعقد حاجبا ( رؤوف ) فى تساؤل حائر ، فقالت :

- قبل هبوط جسد ( نادر ) بلحظات ، كنت تقول أن « كل سبل النجاة منعدمة ، بإستثناء ( نادر ) أو .. » و لم تكمل ، فما الإستثناء الآخر ؟!

« ( رؤوف ) ( ماجدة ) ( نادر ) .. نحن قادمون يا رفاق »

نهض ( رؤوف ) و ( نادر ) فى حدة بالغة على الصيحة البعيدة ، التى جائت كإجابة مباشرة ، و الأخير يقول فى حماس :

- انه ( سمير ) .

بينما التفت ( رؤوف ) اليها ، قائلا :

- هاهو الإستثناء .

سألته فى دهشة منفعلة :

- ( سمير ) ؟! .. و لكنك أخبرتنى أنك لم تحادث أحدا هاتفيا ، كما أن جهازك الخاص بتحديد المواقع للإدارة ، قد فقدته أثناء حادث الطوافة .

قال فى أمل جذل ، ذابت معه عصبيته تماما :

- هذا صحيح لذا فقد حرصت على أن أرسل لحاسبه الشخصى رسالة اليكترونية بعنوان وكر ذلك الوغد ، و ذلك تحسبا لحاجتنا لأى مدد مطلوب فى مرحلة من المراحل ، و قد صدق حدسى و إن كنت أجهل سبب تأخره حتى الـ ..!

بتر عبارت و عيناه تسقط على شاشة ساعته الفسفورية ، قبل أن يوصلها صائحاً :

- رباه !!


ثم رفع عيناه اليهما فى دهشة ، قائلاً :

- إننا فى التاسعة صباح اليوم التالى ، السابع من ( سبتمبر ) .

و دوى صوت ( سمير ) مجددا عبر نفس المكبر الصوتى :

- اصمدوا يا شباب لقد حاصرنا المكان .

بينما قالت ( ماجدة ) فى عصبية متوترة :

- يا للشيطان ! هل غبنا عن رشدنا أكثر من 19 ساعة كاملة .

كانت مصابيحهم الملقاة عشوائيا هى التى تضئ الحجرة ، بينما يسود الظلام مثل ظهيرة اليوم السابق تماما ، لأن الأنبوب المؤدى اليهم تغطيه أرضية عشبية صناعية كالفخ ، مزودة بياى قوى لتعيدها الى موضعها فتمنع الضوء بالتالى من الوصول ..

و قال ( رؤوف ) فى حسم :

- الموقف الآن كالتالى : لقد حاولنا اجتذاب ذلك الوغد حتى هنا ، و لكن رغن فشلنا فهناك إمكانية لخروجنا من الموقف ، مع قدوم ( سمير ) .. أريدك يا ( ماجدة ) إطلاق عقلك بكل قوته ، لمعرفة ما يدور بأعلى ، و سنحاول أنا و ( نادر ) حل تلك القيود البلاستيكية المتينة .

قالت ( ماجدة ) فى حماس :

- سأبدأ على الفور .

بينما قال ( نادر ) فى لهفة :

- لدى الوسيلة بالنسبة للقيود .

نظر اليه فى تساؤل ، فتحرك هو نحو الآلية الثقيلة الرابضة فوق بقايا ( هالة ) ، و أولاه ظهره و هو يحرك معصميه فى سرعة فوق الكلابة قاطعة الفولاذ ، ليمزق القيد المؤلم بالنسبة لـ ( رؤوف ) على الأقل ، و الذى ابتسم قائلا :

- أحسنت أيها الشاب .

و بسرعة و صبر و دقة عمل مع ( ماجدة ) على الذراعين الأخريين ، حتى تحرروا و قامت ( ماجدة ) بجولتها العقلية المركزة ، لإلتقاط أفكار ( سمير ) و رجال القسم .. و بكل التوتر العصبى الناجم عن خفوت الإضاءة ، و الجوع و العطش و السجن ، قالت ( ماجدة ) :

- انهم يمشطون المكان بحثا عنه .

لم تكد تتم عبارتها حتى انبعث ضوء مبهر مفاجئ من الآلى الثقيل ، و هدرت محركاته بقوة ، و هو يستدير على قاعدة جنازيره ، شاهرا أذرعته الثلاثة فى وجوه أبطالنا الثلاثة ..

و فى توتر تراجعوا أمام سعيه المخيف نحوهم ، و ( ماجدة ) تصرخ فى قلق مذعور :

- و لكن لماذا ؟!

أجابها ( رءوف ) و هو يضغط على أسنانه فى انفعال :

- لقد زوده ذلك المجنون بوحدة رصد حرارى ، أو عدل برنامجه القتالى ليقتل البشر .

قال ( نادر ) فى توتر شديد ، و هو يحدق فى الأذرع الباترة :

- و لكن لماذا ؟ كان لديه وقت طويل ليقتلنا بيده العارية ؟! 19 ساعة !

قفزوا متفرقين كالحملان المذعورة عندما لامست ظهورهم الجدار ، فإتجه الآلى نحو ( نادر ) و كاد يقبض بكلابته الحادة على ذراعه ، لولا أن أبعد ذراعه بسرعة كبيرة فى اللحظة الأخيرة ، فإستدار لمحاصرة ( رءوف ) فى الركن ، و ( ماجدة ) ترتجف و تثب قائلة فى ارتياع :

- ربما أراد التلذذ بتمزيقنا أحياء متيقظين ذلك السادى .

فرد الآلى ذراعيه المخلبيتين الى أقصاها ليحكم بقاء ( رؤوف ) فى الركن ، و الذى لم يتطع الإفلات بعد ارتطامه بـ ( ماجدة ) ، فأيقن ( رءوف ) الهلاك بعدما رأى بعينه الطاقة الكهربية التى أطاحت بـ ( نادر ) عندما فكر فى إعتلائه ، بالإضافة لتجريد ( فخرى ) الجديد من أسلحتهم .. فقال بحزن مرير :

- كل ما يحنقنى أننى سأموت ، على يد قطعة من حديد .. الوداع يا رفاق .

و أيقن كذلك كل من ( نادر ) و ( ماجدة ) أنه لا مفر ..



*     *     *



يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة