دخيل - ستيفن كينج



مسلسل بديع. هو الأفضل منذ عهد بعيد، ربما منذ Chernobyl، ولا غرو، إذ أنه نقل بأمانة من رواية العزيز "ستيفن كينج". ستشعر بلمسات "ستيف" في كل لقطة، مما يعني أن HBO كانت مخلصة بالفعل للنص الأصلي. رباه! لكم يحلم المرء بمنتج رائع كهذا، قادر على تنفيذ أحلامه بمنتهى الأمانة والحماس.

وهذه ترجمة حصرية للصفحات الأولى من الرواية الأصلية المقتبس عنها المسلسل:

دخيل

 

إلى راند وجودي هولستون

 

 

إن الفكر لا يمنح العالم مظهر النظام إلا لأي شخص ضعيف بما يكفي ليقتنع بعرضه.

كولن ويلسون

"بلد العمى"

 

 

 

 

 

الاعتقال

14 يوليو

 

1

لقد كانت سيارة بلا علامات، مجرد سيارة صالون أمريكية غير مميزة عمرها بضع سنوات، لكن جوانب الإطارات والرجال الثلاثة الموجودين بداخلها أفصحوا عن طبيعتها. بينما ارتدى الاثنان في المقدمة زيا أزرق اللون، فإن الرجل الضخم كمنزل في الخلف ارتدى حلة. ثَم زوجان من الصبية السود يقفان على الرصيف، أحدهما بقدم على لوح تزلج برتقالي مخدوش، والآخر يحمل لوحا ليمونيا تحت ذراعه، راقباها وهي تستدير صوب ساحة مَرأب متنزه إستل بارجا الترفيهي، ثم نظرا إلى بعضهما.

قال أحدهما: "إنها حكومة[1]".

قال الآخر: "اللعنة".

انطلقا لا يلويان على شيء، وهما يدفعان لوحيهما. كانت القاعدة بسيطة: عندما تظهر الحكومة، فهو الرحيل. حياة السود مهمة، لقد أوصاهم آباؤهم بذلك، ولكنها ليست كذلك دائمًا بالنسبة للحكومة. في ملعب البيسبول، بدأ الجمهور في الهتاف والتصفيق بشكل إيقاعي عندما جاء فريق تنانين مدينة فلينت الذهبية للمضرب في مؤخر المركز التاسع، وأحدهم يركض نحوه.

ولم ينظر الصبيان وراءهما.

 

 

 

 

 

 

2

إفادة السيد چوناثان ريتز [10 يوليو، الساعة 9:30 مساء، أجرى المقابلة المحقق رالف أندرسون]

المحقق أندرسون: أعلم أنك منزعج يا سيد ريتز، هذا مفهوم، لكن أريد أن أعرف بالضبط ما رأيته باكرا هذا المساء.

ريتز: لن يمكنني إخراجه من ذهني أبدا. أعتقد أنني أحتاج لقرص مهدئ. ربما الڤاليوم. لم أتناول أيا من هذه الأشياء مطلقا، ولكن يمكنني بالتأكيد استخدام شيء ما الآن. لا أزال أشعر وكأن قلبي في حلقي. يجب أن يعرف فريق طبك الشرعي أنهم إذا وجدوا تقيؤا في مكان الحادث -وأعتقد أنهم سيفعلون- فهو لي. لا يخجلني هذا أيضا. أي شخص كان ليفقد عشاءه إذا رأى شيئا كهذا.

المحقق أندرسون: أنا متأكد من أن الطبيب سيصف لك شيئا يهدئك عندما ننتهي. أعتقد أن بإمكاني الترتيب لذلك، لكن الآن أريدك أن تقدح زناد فكرك. تفهمني، أليس كذلك؟

ريتز: بلى. بالطبع.

المحقق أندرسون: فقط أخبرني بكل ما رأيته، وسننتهي لهذا المساء. أيمكنك أن تفعل ذلك لي يا سيدي؟

ريتز: حسن. خرجت لتمشية ديڤ تقريبا الساعة السادسة مساء هذا اليوم. ديڤ هو كلبنا من سلالة بيجل. يتناول وجبته المسائية في الخامسة. أنا وزوجتي نأكل في الخامسة والنصف. بحلول السادسة، يكون ديڤ مستعدًا للاهتمام بمخرجاته؛ أعني رقم واحد ورقم اثنين. أمشّيه بينما تقوم ساندي –زوجتي- بتوضيب المواعين. إنه تقسيم عادل للعمل. إن التقسيم العادل للعمل مهم جدا في الزواج، خصوصا بعد أن يكبر الأطفال، بهذه الطريقة ننظر إلى الأمر. أنا أتفرع، ألست كذلك؟

المحقق أندرسون: لا بأس يا سيد ريتز. قل ذلك بطريقتك.

ريتز: أوه، من فضلك ادعوني بچون. لا أبتلع السيد ريتز. يجعلني أشعر وكأنني غوغائي. هذا ما كان يناديني به الأطفال عندما كنت في المدرسة، ريتز الغوغائي.

المحقق أندرسون: أينعم. إذًا كنت تمشّي كلبك...

ريتز: هذا صحيح. وعندما التقط رائحة قوية -رائحة الموت أعتقد- اضطررت إلى تثبيت زمامه بكلتي يدي، على الرغم من أن ديڤ مجرد كلب صغير. أراد أن يحصل على ما تشممه. الـ...

المحقق أندرسون: مهلا، دعنا نعود للخلف. لقد غادرت منزلك في 249 شارع مولبيري في الساعة السادسة.

ريتز: ربما قبل هذا بقليل. نزلنا أنا وديڤ التل إلى متجر چيرالد، تلك البقالة الموجودة في الزاوية حيث يبيعون جميع الأشياء الشهية، ثم صعدنا إلى شارع بارنوم، ثم إلى متنزه (فيجيس). ذانك الذي يسميه الأطفال متنزه (في كيس). يعتقدون أن البالغين لا يعرفون ما يقولون، ذلك أننا لا نصغي، لكننا نفعل. على الأقل البعض منا يفعل ذلك.

المحقق أندرسون: هل كانت هذه تمشيتك المسائية المعتادة؟

ريتز: أوه، أحيانا نغير الأمر قليلا حتى لا نسأم، لكن المتنزه هو المكان الذي ننتهي فيه دائما تقريبا قبل نعود أدراجنا، لأنه يوجد دائما الكثير لديڤ لكي يشمه. يوجد مرأب عام، ولكن في ذلك الوقت من المساء يكون دائما فارغا، إلا إذا كان هناك بعض مراهقي الثانوية يلعبون التنس. لم يكن هناك أي شخص في تلك الليلة، لأن الساحات كانت طينية وقد أمطرت في وقت سابق. الشيء الوحيد الذي ربض هناك كان شاحنة بيضاء.

المحقق أندرسون: أيمكنك القول أنها من نوعية الڤان التجارية؟

ريتز: هذا صحيح. لا نوافذ، فقط أبواب مزدوجة في المؤخرة. ذلك النوع من الشاحنات التي تستخدمها الشركات الصغيرة لنقل الأغراض. ربما كانت ڤان من طراز إيكونولاين، لكنني لا أستطيع القسم على هذا.

المحقق أندرسون: هل دُوّن عليها اسم شركة ؟ مثل سام لتكييف الهواء أو بوب للنوافذ المخصصة؟ شيء مثل هذا؟

ريتز: آه، لا. لا شيء على الاطلاق. لقد كانت قذرة، مع هذا، أستطيع أن أخبرك بذلك. لم تُغسل منذ بعض الوقت. وكان هناك طين على الإطارات، ربما بسبب المطر. تشمم ديڤ الإطارات، ثم سلكنا أحد الممرات المحصبة عبر الأشجار. بعد حوالي ربع ميل، بدأ ديڤ في النباح وركض نحو الشجيرات على اليمين. وذلك عندما التقط تلك الرائحة. لقد كاد أن يسحب الزمام من يدي. حاولت إرجاعه لكنه لم يستجب، فقط تلوّى وحفر على الأرض بمخالبه واستمر في النباح. لذا فقد قربته ونهرته –لدي واحد من تلك الأزمّة القابلة للسحب، وهو جيد جدًا لهذه الأمور– ولاحقته. إنه لا يهتم بالسناجيب والصيادن[2] كثيرًا الآن لأنه لم يعد جروًا، لكنني اعتقدت أنه ربما التقط رائحة راكون. كنت سأجعله يعود سواء أراد ذلك أم لا، فالكلاب بحاجة إلى معرفة من هو الرئيس، وكان ذلك فقط عندما رأيت القطرات القليلة الأولى من الدم على ورقة شجرة بتولا، بارتفاع صدري تقريبا، وهو ما يجعل ارتفاعها عن الأرض تقريبا متر ونصف أو نحو ذلك. كانت هناك قطرة أخرى على ورقة أخرى على مسافة أبعد قليلا، ثم لطخة كاملة على بعض الشجيرات في مكان أبعد. لا تزال حمراء ورطبة. تشممها ديڤ، لكنه أراد الاستمرار. أصغ لي، قبل أن أنسى، في تلك اللحظة سمعت محركا يعمل خلفي. ربما لم ألاحظ ذلك، باستثناء أنه كان مرتفعا جدا، كما لو أن كاتم الصوت قد أصيب. نوع من القرقرة، هل تعرف ما أعنيه؟

المحقق أندرسون: آه، نعم.

ريتز: لا يمكنني أن أقسم أنها كانت تلك الڤان البيضاء، ولم أرجع لهذا الاتجاه، لذلك لا أعرف إذا كانت قد ذهبت، لكنني أراهن أنها كذلك. وأنت تعرف ماذا يعني ذلك؟

المحقق أندرسون: أخبرني ماذا يعني ذلك يا چون.

ريتز: أنه ربما كان يراقبني. القاتل. يقف بين الأشجار ويراقبني. مجرد التفكير في الأمر يجعلني أقشعر. الآن أعني. وبعد ذلك، كنت شديد التركيز على الدم. ومنع ديڤ من انتزاع ذراعي من منبتها. لقد شعرت بالخوف، ولا أمانع في الاعتراف بذلك. أنا لست رجلا ضخما، وعلى الرغم من أنني أحاول الحفاظ على لياقتي، إلا أنني في الستينات من عمري الآن. حتى في العشرينات من عمري لم أكن جسورا كثيرا. ولكن كان علي أن أرى. في حالة إصابة شخص ما.

المحقق أندرسون: هذا جدير بالثناء للغاية. ماذا كان الوقت باعتقادك عندما رأيت خيط الدم لأول مرة؟

ريتز: لم أتحقق من ساعتي، لكن أعتقد أنها تجاوزت السادسة بعشرين دقيقة. ربما قبلها بخمسة وعشرين. تركت ديڤ يقود الطريق، وأبقيته تحت السيطرة حتى أتمكن من الدفع عبر الفروع التي يمكن أن يدخل تحتها بساقيه الصغيرتين القصيرتين. أنت تعرف ما يقولونه عن سلالة البيجل... فهي (ذات جودة عالية ولكنها بأجساد متدلية). كان ينبح كالمجنون. لقد وصلنا إلى منطقة خالية، نوعًا ما... لا أعرف، نوع من الخلوة حيث يمكن أن يجلس العشاق ويتعانقون قليلا. يتوسطه مقعد من الجرانيت، غطته الدماء. الكثير منها. والمزيد تحته. وكانت الجثة ملقاة على العشب بجانبه. ذلك الولد المسكين. كان رأسه موجها نحوي، وعيناه مفتوحتان، وحلقه مختفي فحسب. لا شيء هناك سوى فجوة حمراء. وقد أُنزل بنطاله الجينز وسرواله الداخلي حتى كاحليه، ورأيت شيئا ما... غصنا ميتا، على ما أعتقد... يخرج من... من... حسنا، أنت تعرف.

المحقق أندرسون: أجل، لكن أريدك أن تقول ذلك للتسجيل سيد ريتز.

ريتز: كان على بطنه، والغصن كان يخرج من مؤخرته. كان داميا أيضا. الغصن. تم تجريد جزء من اللحاء، وكانت هناك بصمة يد. رأيت ذلك واضحا كرائعة النهار. لم يعد ديڤ ينبح بعد الآن، بل كان يعوي المسكين، وأنا لا أعرف من كان ليفعل شيئا كهذا. لا بد أنه مهووس. هل ستمسك به أيها المحقق أندرسون؟

المحقق أندرسون: أوه، نعم. سوف نمسكه.

3

 كان مرأب إستل بارجا كبيرا مثل نظيره في متجر كروجر حيث كان رالف أندرسون وزوجته يتسوقان بعد ظهر يوم السبت، وفي ذلك المساء من يوليو كان مكتظا بالكامل. العديد من المِصدات حملت ملصقات التنانين الذهبية، وتم صبغ قلة من النوافذ الخلفية بشعارات غزيرة: سنهزمكم؛ التنانين ستحرق الدببة؛ ها نحن قادمون يا مدينة كاب؛ هذا العام حان دورنا. ومن الملعب، حيث أُضيئت الأضواء (على الرغم من أن ضوء النهار قد بقي لبعض الوقت)، انطلق الهتاف والتصفيق الإيقاعي.

كان تروي رامج، وهو من المحاربين القدامى لمدة عشرين عامًا، خلف عجلة القيادة في السيارة بلا علامات. وبينما كان يتنقل من صف مكتظ إلى آخر، قال: "كلما أتيت إلى هنا، أتساءل دائما من هي إستل بارجا بحق الجحيم، أيا يكن".

ولم يقدم رالف أي رد. توترت عضلاته، وسخن جلده، وبدا نبضه وكأنه خط أحمر. لقد اعتقل الكثير من الأشرار على مر السنين، لكن هذا كان مختلفا. هذا كان فظيعا بشكل خاص. وشخصي. هذا هو الأسوأ: لقد كان شخصيا. لم يكن من حقه أن يكون جزءا من عملية الاعتقال، وقد علم ذلك، ولكن عقب الجولة الأخيرة من استقطاعات الميزانية، لم يكن هناك سوى ثلاثة محققين بدوام كامل في قائمة قوات شرطة مدينة فلينت. كان چاك هوسكينز في إجازة، يصطاد في مكان ما خلف العالم، ومن الرائع أنهم تخلصوا منه. بيتسي ريجينز، التي انبغى أن تكون في إجازة أمومة، ستساعد شرطة الولاية في جانب آخر من عمل هذا المساء.

كان يأمل من الله ألا يكونوا في عجلة من أمرهم. وقد أعرب عن هذا القلق لبيل سامويلز، المدعي العام لمقاطعة فلينت، بعد ظهر ذلك اليوم، في اجتماعهم السابق للاعتقال. كان سامويلز أصغر من أن يتولى هذا المنصب، فهو في الخامسة والثلاثين فحسب، لكنه كان ينتمي إلى الحزب السياسي اليميني، وكان واثقا من نفسه. ليست ثقة مفرطة، لقد كان هكذا، ولكن بلا شك كان متحمسا.

قال رالف: "لا تزال هناك بعض العيوب التي أود صقلها. ليس لدينا كل الخلفية. بالإضافة إلى ذلك، سيقول أن لديه حجة غياب. إلا إذا استسلم، وعلينا أن نتأكد من ذلك".

رد سامويلز: "إذا فعل هذا، فسوف نحطم عذره. أنت تعلم أننا سنفعل".

لم يكن لدى رالف أي شك في ذلك، كان يعلم أن لديهم الرجل المنشود، لكنه كان ليفضل إجراء المزيد من التحقيق قبل جذب الزناد. اعثر على الثغرات الموجودة في حجة غياب ابن العاهرة، واثقبها باتساع يكفي لقيادة شاحنة من خلالها، ثم هاته. في معظم الحالات، كان من الممكن أن يكون هذا هو الإجراء الصحيح. لكن ليس في هذه الحالة.

قال سامويلز: "ثلاثة أشياء، هل أنت مستعد لهم؟".

أومأ رالف. كان عليه أن يعمل مع هذا الرجل، بعد كل شيء.

- أولا، الناس في هذه المدينة، وخاصة آباء الأطفال الصغار، مرعوبون وغاضبون. إنهم يريدون اعتقالا سريعا حتى يشعروا بالأمان مرة أخرى. ثانيا، الأدلة لا شك فيها. لم يسبق لي أن رأيت قضية بهذا الحسم. هل أنت معي في ذلك؟

- نعم.

قال: "حسنا، إليك ثالثة الأثافي. وأهمها". مال سامويلز إلى الأمام، وأردف: "لا يمكننا القول أنه فعلها من قبل -على الرغم من أنه إذا فعلها، فمن المحتمل أن نكتشف ذلك بمجرد أن نبدأ بالتنقيب فعليا- لكنه بالتأكيد بحق الجحيم فعل ذلك الآن. لقد تحرر من عقاله. فض بكارته. ومع حدوث ذلك...".

أكمل رالف: "يمكنه أن يفعلها مرة أخرى".

- بالضبط. ليس السيناريو الأرجح بعد فترة وجيزة من بيترسون، لكنه ممكن. إنه مع الأطفال طوال الوقت، بحق المسيح. أولاد صغار. إذا قتل أحدهم -وبغض النظر عن فقدان وظائفنا- فلن نسامح أنفسنا أبدا.

كان رالف يواجه بالفعل مشاكل في مسامحة نفسه لعدم ملاحظة ذلك عاجلا. كان ذلك غير منطقي، فلا يمكنك النظر في عيني رجل في حفل شواء في الفناء الخلفي عقب انتهاء موسم الدوري الصغير، ومعرفة أنه كان يفكر في الإقدام على فعل مريع -يرعاه ويغذيه ويشاهده وهو ينمو- لكن اللامنطقية لم تغير الطريقة التي شعر بها.

الآن، مال رالف إلى الأمام ليشير بين الشرطيين الجالسين في المقعد الأمامي، وقال: "هناك. جرب المساحات المخصصة للمعاقين".

قال الضابط توم ييتس من مقعد المرافق: "غرامة مائتي دولار على ذلك أيها الرئيس".

قال رالف: "أعتقد أننا سنحصل على تصريح هذه المرة".

- كنت أمزح.

 

 

ترجمة عصام منصور



[1]  تسمية عامية للشرطة.

[2]  الصيدن: نوع من السناجيب، لكنه يعيش في جحور كالأنفاق.

تعليقات

المشاركات الشائعة